لقرضاوي: نحتاج لمن يحمل الفكر والقلم لا السي

أكد فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي-رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- أن المسلمين الآن ليسوا في حاجة لمن يحمل السيف ليبلغ هذه الرسالة؛ بل في حاجة لمن يحمل الفكر والقلم، وطالب فضيلته كل مسلم بأن يؤمن بأننا أصحاب رسالة عالمية للرحمة وللنور.

وتساءل في خطبة الجمعة الماضية بجامع عمر بن الخطاب: ماذا فعلنا نحن المسلمين لتبليغ هذه الرسالة الي العالم. وأجاب بأننا مقصرون ابلغ تقصير، في إيصال هذا الهدي والنور للناس كافة رغم ما هيأ الله لنا في هذا العصر من وسائل وإمكانات نستطيع أن نخاطب بها البشر في كل مكان.

وأكد بأننا لسنا في حاجة لمن يحمل السيف ليبلغ هذه الرسالة بالعكس نحن في حاجة لمن يحمل الفكر ويحمل العلم ويحمل القلم ويحمل الدعوة ليبلغ هذه الرسالة إلي الشرق والي الغرب والي العرب والي العجم إلي العالم بألسنته المختلفة.

ورأي ان ما نراه من تطاول علي شخصية محمد وهي أعظم شخصية بشرية إنما هو من جراء الجهل بسيرة محمد وبرسالته، لا يعلمون عن هذا الرسول شيئا؛ قرأوا قراءات سطحية مشوشة، وربما ساهم في هذا التشويه بعض المسلمين للأسف فأخذوا صورة زائفة عن هذا النبي العظيم. ونحن علينا واجب ان نذهب هذه الصورة الشائهة، وأن نعطي صورة حقيقية لمحمد رسول الله صاحب السيرة العطرة والمسيرة الزاهرة والرسالة الخالدة وصاحب الخلق العظيم.

وأثار الحس الإسلامي لدي كل مسلم بقوله: ليسأل كل منا ماذا فعل من أجل نشر الرسالة: هل كلم مرة واحدا من غير المسلمين عن هذا الرسول وعن هذه الرسالة وعن القرآن؟ وهل قرأ بنفسه ما يؤهله لتبليغها؟ هل أعد نفسه ليكون من هؤلاء الدعاة غير المحترفين؟ كل مسلم داعية مخاطب بقوله تعالي: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. إن كنت متبعا محمدا فيجب أن تكون داعيا إلي الله وداعيا علي بصيرة وهذا ما يطالبنا به الإسلام .

فيما طالب فضيلته للتبرع إلى موقع ببلو إسلام عن طريق جمعية البلاغ الثقافية وإسلام أون لاين.نت لنصرة الرسول.

وأضاف لابد أن نبذل بعض الشيء لنصرة الرسول والله وصف الصحابة بقوله ( وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(الحشر: من الآية8) لابد أن ننصر الرسول صلي الله عليه وسلم بالدعوة إلى سنته إلى سيرته، وان ندفع عنه هذه الافتراءات الكاذبة المفترية التي تستهين بهذا الرسول وبهذا الدين وبهذه الأمة العظيمة.

وفي ذكري مولد الرسول صلي الله عليه وسلم خرج د. القرضاوي من جدلية الاحتفال بتلك الذكري إلى الاحتفال بخصائص الرسالة المحمدية ولم يشأ الخوض في كون الاحتفال بذكرى مولده صلي الله عليه وسلم بدعة أم غير بدعة، ذاهبا إلى بيان الخصائص التي جعلت منها رسالة عالمية.

قال: يحتفل المسلمون بمولد الرسول صلي الله عليه وسلم، سواء كان مولده في الثاني عشر ام في التاسع من ربيع الأول، نافيا دخوله في أن يكون هذا الاحتفال سنة أم بدعة قائلا: في الحقيقة نحن لا نحتفل بمولد الرسول ولكننا نحتفل بمولد الرسالة فقد ولد الرسول بمكة المكرمة فلم تنصب له الزينات ولم ترفع له الإعلام فهو صبي يتيم لم يكن يعلم احد ما له من شأن وما له من مستقبل في حياة البشرية فليس المهم ميلاد الرسول ولكن المهم ميلاد الرسالة، التي بهذا الرسول العظيم كما قال تعالي (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ *فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة151-152) وبعث محمد صلي الله عليه وسلم كما بعث النبيون من قبله، أرسل من قبله 23 أو 34 كما ذكر في القرآن ولكن هناك رسلا كثيرة لم يذكرهم الله تعالي،(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: من الآية36)

خصائص للرسالة

وذكر ان هذه الشخصية العظيمة التي تطاول عليها المتطاولون في عصرنا حتي ممن ينتسبون إلي الإسلام من رجال أو نساء تميزت عن سائر النبوات والرسالات بخصائص عشرة وعددها:

الخصيصة الأولي: إن الله بعثه بالرسالة العامة الرسالة العالمية، وكل مرسل من قبل كان مبعوثا إلي قومه وفي حديث متفق عليه: كان الرسول يبعث إلي الناس خاصة وبعثت الي الناس كافة وهذا معلن منذ العهد المكي، والمح إلي أن بعض المستشرقين قال أن محمدا لم يعلن العالمية إلا بعد صلح الحديبية،حينما أرسل إلي كسري والنجاشي وهؤلاء يدعوهم إلي الإسلام، وهذا ليس بصحيح فمن قرأ القرآن المكي وجد فيه آيات شتي تعلن عالمية الإسلام في سورة الأنبياء وهي مكية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) وفي سورة الفرقان وهي مكية (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1) وهذه أول مرة يعلن نبي من الأنبياء انه بعث للناس كافة ،حتي للأنس والجن..

وقام فضيلته بمقارنة بين القرآن والتوراة قائلا من يقرأ منكم التوراة يجدها كتابا محليا،كلها عن بني إسرائيل وملك إسرائيل وتاريخهم وإعداد وأسباط بني إسرائيل، حتي الرب نفسه رب بني إسرائيل_ بينما هو في القرآن عالمي منذ البداية في سورة الفاتحة(الحمد لله رب العالمين)، فالتوراة كتاب إسرائيلي قومي عنصري، محلي.

الرسالة الخاتمة

وعن الخصيصة الثانية قال: انه بعث برسالة خاتمة، وكل رسول أرسل قبله كان يبشر قومه بمن سيأتي بعده من أنبياء، موسي بشر وعيسي بشر: بنبي من بعدي اسمه أحمد، وهذه المبشرات موجودة في أسفار التوراة حتي الآن، وفي الأناجيل الأربعة وملحقاتها فيها البشري بنبي يأتي اسمه أحمد .

وقال: إن محمدا الوحيد الذي أعلن انه جاء ليختم النبوات وانه أخر الأنبياء (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب:40) وقال أنا العاقب فلا نبي بعدي مذكرا بقول الأستاذ العقاد رحمه الله مضت أربعة عشر قرنا ولم تظهر نبوة مسموعة الزمن اكد الدعوة والواقع اكد الدعوة، انه خاتم النبيين، وكان الناس يتساءلون فيما مضي: كيف يكون نبيا ويكون للعالم كله يوصل الرسالة الي العالم ؟ وكيف يختم النبوات ؟ وهل يحتاج الناس لنبوة؟ وظهر لنا أن الله علم انه سيأتي زمان يتقارب فيه العالم حتي يصبح كأنه قرية واحدة ويكون من السهل إبلاغ الرسالة الواحدة للعالم كله وان هذا أفضل من أن تكون هناك رسالات عدة، لأن الرسالة الواحدة تجمع الناس ولا تفرقهم وان البشرية بلغت من الرشد والنضج ما لن تعد معه محتاجة الي نبوة جديدة، يكفي أن تأتي نبوة خاتمة تضع لها القواعد وأسسا ثم تدع للعقل البشري ان يجتهد لكل عصر ولكل بيئة بما يصلح لها وهذه من مزايا هذا الإسلام العظيم وهذه الرسالة المحمدية: أنها لم تقيد الناس بأشياء تلزمهم بصور جامدة لعصر من العصور فيقيدون بها بل تركت للعقل البشري أن يبتكر من الصور ومن الآليات في كل عصر ما يليق به.

معجزة ليست حسية

وحين تحدث القرضاوي عن الخصيصة الثالثة ذكران الأنبياء السابقين أيدهم الله في دعوة الرسالة بمعجزات حسية يراها الناس فتبهرهم ولكنها تنتهي بمجرد حدوثها وعدد من هذه المعجزات ما أيد الله موسي بالعصا وباليد وبآيات أخري، وأيد الله المسيح عيسي بإبراء الأكمه والأبرص وأحياء الموتى بإذن الله، ولولا أن القرآن حدثنا عن هذه الأشياء ما علمنا بها ولا صدقنا بها، ولكنه ايد محمدا صاحب الرسالة الخالدة بمعجزة باقية خالدة، لأنها ليست معجزة حسية بل معجزة أدبية عقلية، أنها القرآن الآية الباقية ما بقي الزمان وما بعد الزمان ..وكانت المعجزة التي أعجزت العرب علي أن يأتوا بمعجزة مثله: بعشر سور مفتريات، بسورة واحدة وعجزوا وصدق الله العظيم (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88)

واعتبر الخصيصة الرابعة هي حفظ الله للقرآن بنفسه قال: ان الله وكل حفظ الكتب السابقة إلي أهلها، قال عن التوراة بما استحفظوا، أما في القرآن فتولي الله حفظه بنفسه، تكفل بحفظه، لم يكله الينا، وقال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) الجملة الاسمية واللام للتأكيد، لا تجد كتابا في الدنيا يحفظه مئات الألوف البنون والبنات ومن العرب والعجم مثل القرآن الكريم، من الذي لا يعرف كلمة في العربية لكنه يتلو القرآن ولا يخطئ فيه ،لا يوجد أسقف ولا كردنال يحفظ الكتاب المقدس، ولكن صبياننا يحفظونه، انظروا الي هذه المسابقات من كل بلد يتنافسون هذا شيء عجيب،( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)(المطففين: من الآية26) نحن نقرؤه كما كان يقرؤه أصحاب رسوله بمده وغنه وحركاته وسكناته ونتلوه كما كتب في عهد عثمان رضي الله عنه . بدلت التوراة ولا نعرف الإنجيل الذي انزل علي عيسي عليه السلام بل الموجود ما نسب الي تلاميذه فقط.

وذكر انه يعتبر حفظ السنة هي الخامسة قائلا كما حفظ القرآن من الله ،حفظ السنة، واستشهد بقول الشاطبي: إن حفظ القرآن من الله تعالي يستلزم حفظ السنة لأن السنة بيان للقرآن وحفظ المبين يقتضي حفظ بيانه وإلا بقي بل لا بيان من استلزام القرآن حفظ السنة ومن ذلك حفظ السيرة لأن السيرة مبينة للسنة، فحفظت سيرته فلا تجد نبيا له سيرة كاملة من الميلاد إلي الوفاة إلا محمد صلي الله عليه وسلم، من ارضعه ما حدث له قبل وبعد الرسالة وبعد وقبل الهجرة، سيرة علمية ليس فيها دائرة حمراء حتي علاقاته النسائية من تسع نساء لو نسيت واحدة الاخري تروي، وهي سيرة شاملة كل من أراد الأسوة فيها يجد ما يريد .. وقال: لو اردت ان تقتضي من سيرة المسيح في الحرب فلن تجد لأن المسيح لم يقاتل، ولو اردت ان تقتضي به كأب فلن تجد لأن المسيح لم يتزوج حتي يكون له أولاد، أما الرسول فتزوج وكان له أولاد وتجد الأسوة له في الأولاد وفي الأحفاد.

وفي الخصيصة السادسة تحدث عن الأصحاب فقال: ان محمدا خصه الله بأصحاب لم يخص بهم احدا من رسله، لم يوجد لنبي أصحاب رحماء بينهم باذلو أنفسهم وأموالهم المتعبدون لله الركع السجود ما وجد لمحمد صلي الله عليه وسلم، اثني الله عليهم في القرآن الكريم (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100) واثني عليهم محمد وقال: لا تسبوا أصحابي فوالدي نفس محمد بيده لو أن أحدكم انفق مثل احدهم ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه. هؤلاء الأصحاب قرة عين الدنيا: أصحاب موسي خذلوه في أول معركة..أما أصحاب محمد فيقولون: لا نقول لك كما قال أصحاب موسي لموسي: اذهب أنت وربك فقاتلا إن هاهنا قاعدون ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون والله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد.. وأضاف أن الأصحاب هم الذين حفظوا لنا القرآن وهم الذين رووا السنن وهم الذين فتحوا الفتوح وفتحوا العالم ونشروا فيه الإسلام، ومع هذا يأتي من يشوه هذا الجيل النموذجي المتميز الفريد الذي كان يتلقي القرآن فينفذه في الحال، أما أصحاب عيسي فكانوا عددا قليلا 12 حواريا، ومع هذا في ساعة الشدة خانه من خانه وقال لهم منكم من ينكرني أكثر من مرة وأنكروه وشهدوا عليه امام الحاكم الروماني.

الله يربي محمدا

ورأي الخصيصة السابعة في التربية الإلهية للرسول فقال: إن الله اعد محمدا إعدادا خاصا: عين الله هي التي رعته هيأته ليحمل الرسالة الخالدة، تولي الله تربيته بنفسه: علمه فأحسن تعليمه وأدبه فأحسن تأديبه، وقد مات كل من كان يرعاه لتكون عين الله هي التي ترعاه ويهيئه الله ليرعي الغنم حتي باجر لبعض الناس ليتعلم منها حسن الرعاية وليعتمد علي نفسه بعد الله وعلي كد يمينه، صحيح انه من عائلة كبيرة ومن أخيار قريش وجده سيد مكة ولكن ليس كأبناء القبائل الكبيرة والشريفة يعتمد علي شرف عائلته ولكن يعمل ويكدح في الحياة وهذا هو الذي علمه الله له، وكان نعم الشاب في حياته لم يعرف عنه انه عاكس فتاة ولا شرب الخمر ولا شارك في لهو ولو عرفوا لأشاعوا عنه ذلك،(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) هذه شهادة لها معناها من ربه الذي خلقه.

وفي الخصيصة الثامنة تحدث بقوله: إن الله عز وجل ميزه بالأمية، فموسي حينما حدث قومه قال لهم أن هناك نبيا أميا سيأتي، كما حدثنا القرآن بذلك، النبي الأمي، لم يقرأ كتابا ولم يتعلم، أبعده الله عن تعلم القراءة والكتابة حتي لا يقال أن هذه أشياء تعلمها من كتب النبيين السابقين والفلاسفة او الحكماء من الأمم المختلفة كما قال الله تعالي ( ما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون) لتتلقي من الله تلقينا خالصا فالقرآن لا تشوبه شائبة (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)..( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) .

وعن التاسعة تحدث قائلا: أن الله تولي بقاء هذه الأمة إلي يوم القيامة، فما دامت هي الرسالة باقية فمن الحكمة أن تبقي هذه الأمة لتكون حاملة لها إلي العالم، ولذلك ضمن الله لرسوله إلا يسلط علي هذه الأمة عدوا من غيرها يستبيح بيضتها ويستأصل شأفتها.. ومن هنا رأينا عبر التاريخ إن الصليبيين أغاروا علي هذه الأمة في حملات تسع من أوربا والمسلمون في غاية من الضعف والتشرذم والتفرق وجاء الصليبيون فاكتسحوا البلاد ودبروا لهم المؤامرات بواسطة الخونة من الأمراء وغيرهم أكثر من مائتي سنة ولم يستطيعوا القضاء عليهم، وجاء من بعدهم وفي عهدهم التتار من الشرق، واكتسحوا الممالك دولة بعد دولة وفقد المسلمون الوحدة الإسلامية، ورغم انهم قتلوا مليونين فلم يستطيعوا القضاء علي الأمة الإسلامية واستطاعت الأمة بعد ذلك إن هيأ الله لها رجالا ينفخون فيها الروح ويبدءون معارك التحرير وحرروا الأمة من الفرنجة ومن التتار وعلي التتار انتصروا عسكريا ثم معنويا فدخلوا الإسلام، وحكموا الهند من خلاله بعد ذلك.

الحفظ المعنوي للأمة

وفي الخصيصة العاشرة والأخيرة في هذه الخطبة قال فضيلته أن الله كما حفظ الأمة ماديا حفظها معنويا، حفظ أن تبقي معنويا: أي تبقي حاملة للرسالة فقد يضل منها من يضل وينحرف من ينحرف من الحكام أو من النخب ولكن الأمة في مجموعها معصومة لا تجتمع كلها علي ضلالة (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين)، وأضاف هناك أناس موكلون من الله يدافعون عن الحق ويقاومون الباطل كما قال سبحانه (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (لأعراف:181) هم الذين سماهم العلماء: الطائفة المنصورة التي جاءت بها الأحاديث الصحاح المستفيضة ..لا يمكن أن تجتمع الأمة علي ضلال، يوجد شياطين يدعون إلي الضلالة دعاة علي أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قالوا صفهم لنا يا رسول الله قال هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولكن لا يستطيع هؤلاء أن يضلوا الأمة فسيظل هناك من يحمل علم النبوة وميراث النبوة، كما جاء في الحديث الذي رواه البيهقي وغيره: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحرف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وسيظل هذا الدين محميا من الله بواسطة هؤلاء جيل النصر يدخر الله للدفاع عن دينه قوما (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54)