فماذا عن وصايا الزوجين ؟
ـ الجواب : وصايا الزوجين كثيرة فمنها أولاً : وصية الأب ابنته عند الزواج :
وصى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ابنته فقال : إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق ، وإياك وكثرة العتاب فإنه يورث البغضاء "أى الكراهية" ، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة ، و أطيب الطيب الماء .
ـ ثانياً : وصية أم ابنتها عند الزواج : خطب عمرو بن حجر ملك كندة أمَ إياس بنت عوف بن مسلم الشيبانى ، ولما حان زفافها إليه خلت بها أمها أمامة بنت الحارث فأوصتها وصية تبين فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة ، وما يجب عليها لزوجها مما يصلح أن يكون دستوراً لجميع النساء فقالت :
أى بنية : إنك فارقت الجو الذى منه خرجت ، وخلَّفت العش الذى فيه درجت ، إلى وكرٍ لم تعرفيه وقرينٍ لم تألفيه ، فأصبح بملكه عليك رقيباً ، فكوني له أمةً يكن لك عبداً وشيكاً ، واحفظى له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً :
أما الأولى والثانية : فالخضوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة .
وأما الثالثة والرابعة : فالتفقد لمواضع عينيه وأنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح .
وأما الخامسة والسادسة : فالتفقد لوقت منامه وطعامه ، فإن تواتر الجوع ملهبة ، وتنغيص النوم مغضبة .
وأما السابعة والثامنة : فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله .
وأما التاسعة والعاشرة : فلا تعصين له أمراً ، ولا تفشين له سراً ، فإنه إن أفشيت سره أو خالفت أمره أوغرت صدره ولم تأمنى غدره ، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مغتماً ، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً .
ـ ثالثاً : وصية الزوج لزوجته : قال أبو الدرداء لامرأته ناصحاً لها : إذا رأيتنى غضبت فرضى وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب :
خذى العَفو منــى تستديمى مودتى ولا تنطقى فى سَورَتى حين اغضبُ
ولا تنقرينــى نقــركِ الـدفَ مــرةً فإنك لا تدريـن كيـف الُمغّيــــبُ
ولا تُكثرى الشكوى فتذهب بالقوى ويأبـاك قلبـى والقلـوب تقلـــــبُ
فإنى رأيتُ الحبَ فى القلبِ والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحبُ يذهـبُ
سلـوكيـــات
ـ فماذا عن السلوكيات التى على العروسين التحلى بها فى بيت الزوجية لتكون الحياة التى يظللها الحب والود والسكن والرحمة كما قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم : 21) .
ـ الجواب : من المقرر أن "مركب" الحياة الزوجية تحتاج إلى مجدافى الرجل والمرأة معاً لتصل إلى بر الأمان والحب والوئام ، وهذا يستلزم من الرجل والمرأة المشاركة الدائمة فى التعاون معاً ، وألا يطلب طرف أن يأخذ دائماً دون أن يعطى ، بل عليه أن يبادر هو بالعطاء ولا ينتظر الأخذ ، بل يفعل ما يطيق وما يسعه فى سبيل إسعاد الطرف الآخر والتخفيف عنه عناء الطريق الطويل ، وعلى الرجل أن يكون أكثر احتمالاً بحكم تكوينه الجسدى وقوامته فيأخذ مجدافى المركب ليسير بها إلى شاطئ الحب والأسرة السعيدة ، ولا تتركه المرأة يجاهد ويكد وهى تشاهد هذا دون أن تبادله الابتسامة وتعطيه اللمسة الحانية والكلمة الطيبة التى تجعله لا يشعر بألمٍ أو تعبٍ من وعثاء الطريق ، فهى تجلس أمامه على طرف "المركب" كأميرة أو ملكة متوجة يأخذها أميرها ومليكها إلى جزيرة بعيدة عن أعين الذئاب فى الطريق وفى وسائل العلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، لعيشا معاً عمرها الجميل ، فلابد أن يراها الرجل فى أبهى صورها من ملبس وملمس وكلمة طيبة رقيقة حانية .
ولنعلم أن السلوكيات التى على العروسين التحلى بها كثيرة جداً ومنها : حسن العشرة .
فأول هذه السلوكيات التى على الزوجين التحلى بها : حسن العشرة :
ـ فعلى العروس ـ الرجل والمرأة ـ أن يحسن كل منهما معاشرة الآخر، وقد حث تعالى فى كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الزوج بحسن العشرة فقال تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء : 19) ، وقال : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (1) ، وقال : "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا" (2) .
ـ وقال : "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ (3) وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" (4) .
ـ وقال : "كل شئ ليس فيه ذكر الله فهو (لغو) وسهو لعب ، إلا أربع (خصال) : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشيه بين الغرضين (5) ، وتعليم الرجل السباحة" (6) .
ـ ومن صور حسن المعاشرة أسوق إليك أيها الزوج الحبيب هذا الحديث الطيب الكثير الفوائد وآداب حسن المعاشرة لمن تدبره وتأمله ، وفيه بعض ما تبغضه النساء فى الرجال ، وبعض ما تحبه النساء فى الرجال فتأمله وزِن نفسك مع أى فريق أنت ، والحديث رواه البخارى ومسلم (1) عن أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت (2) : جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا .
ـ قَالَتِ الْأُولَى : زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ .
ـ تصف زوجها بأنه كلحم الجمل ، وهو من أنواع اللحم غير المحببة إلى الناس ، وهو مع كونه لحما مزهود فيه ، فهو على رأس جبل عالٍ ! وهذا الجبل لا سهل فيرتقى إلى اللحم المزهود ، ولا هو باللحم السمين فأتحمل مشقة صعود وتسلق الجبل .
ـ قَالَتِ الثَّانِيَةُ : زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ.
ـ تقول : زوجى لا أنشر خبره ، إنى أخاف إن أنا تحدتث عنه ألا أفيكم بيان معايب زوجى ومساوءه ، ولكن … إن كنتُ أحدثكم عنه فيكفى أن اذكر عجره ، والعجر : العقد التى تكون فى البطن واللسان ، والبجر: العيوب ، فتحدثت عن عيوبه الظاهرة والباطنة .
قال الخطابى : أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة ، قال : ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن .
ـ قَالَتِ الثَّالِثَةُ :زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ .
ـ تصفه بأنه طويل مذموم الطول ، أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع ، وقد قال ابن حبيب : هو المقدم على ما يريد ، الشرس فى أموره ، وقيل : السيئ الخلق .
تقول : أنها إن ذكرت عيوبه فيبلغه طلقها ، وإن سكتت عنده فإنها عنده معلقة لا زوج ولا أيم ، فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها إن شكت له حالها ، وأنها تعلم أنها متى ذكرت له شيئاً من ذلك بادر إلى طلاقها ، وأنها إن سكتت صابرة على تلك الحال كانت عنده كالمعلقة التى لا ذات زوج ولا أيم .
ـ قَالَتِ الرَّابِعَةُ : زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ .
ـ تصف زوجها بأنه لين الجانب ، خفيف الوطأة على الصاحب ، ويحتمل أن يكون ذلك من بقية صفة الليل ، ثم وصفته بالجود ووصفته بحسن العشرة واعتدال الحال وسلامة الباطن ، فكأنها قالت : لا أذى عنده ولا مكروه ، وأنا آمنةٌ منه فلا أخاف من شره ، ولا ملل عنده فيسأم من عشرته ، فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل .
ـ قَالَتِ الْخَامِسَةُ : زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ .
ـ تصفه بالغفلة عند دخول البيت على وجه المدح له (1) ، وشبهته فى لينه وغفلته بالفهد ، لأنه يوصف بالحياء وقلة الشر وكثرة النوم ، أو تصفه أنه إذا دخل البيت وثب على وثوب الفهد (2) ، وإن خرج كان فى الإقدام مثل الأسد ، وأنه يصير بين الناس مثل الأسد ، أو تصفه بالنشاط فى الغزو ، وقولها : ولا يسأل عما عهد : تمدحه بأنه شديد الكرم كثير التغاضى لا يتفقد ما ذهب من ماله (1) .
ـ قَالَتِ السَّادِسَةُ : زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ(2) وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ(3) وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ(4) وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ(5) .
ـ تصفه بأنه أكول شروب نؤوم ، إن أكل لا يبقى شيئاً من الطعام ، والإشتفاف فى الشرب استقصاءه فإن شرب لا يبقى شيئاً من الشراب ، وإن نام رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله إعراضاً ، ولا يمد يده ليعلم ما هى عليه من الحزن فيزيله .
ـ قَالَتِ السَّابِعَةُ : زَوْجِي غَيَايَاءُ(1) أَوْ عَيَايَاءُ(2) طَبَاقَاءُ(3) كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ .
ـ تصفه بالحماقة ، كأنه فى ظلمة من أمره ، وانه عيي اللسان (4) لا يهتدى إلى مسلك ، ووصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف الظلمة الذى لا إشراق فيه ، وتقول أن كل شئ تفرق فى الناس من المعايب موجود فيه ، وتصفه بسوء المعاملة لأهله ، إن ضربها فإما أن يشجها أو يكسرها أو يجمع لها الاثنين .
ـ قَالَتِ الثَّامِنَةُ : زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ .
ـ تمدح زوجها بأنه لين الخلق ، وحسن العشرة ، فهو فى ريح ثيابه ، كالزرنب ، وهو نبات طيب الريح ، وفى لين كلامه ولطف حديثه وحلاوة طباعه كالأرنب فى لين الملمس .
ـ قَالَتِ التَّاسِعَةُ : زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ.
ـ وصفته بطول البيت وعلوه وكرمه ، أو بنسبه الرفيع ، طويل السيف مما يدل على شجاعته وإقدامه ، وهو مع ذلك سخى كريم الأضياف ، فرماد البيت كثير من كثرة الأضياف ، وهو مع هذه كله زعيم قومه فى ناديهم القريب من البيت .
ـ قَالَتِ الْعَاشِرَةُ : زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ .
ـ تصفه بالكرم والثروة وكثرة القِرى والاستعداد له ، والمبالغة فى صفاته ، والتقديم له بالسؤال للتنبيه على عِظم شأنه ، فقولها : وما مالك ؟ تعظيم لأمره وشأنه ، وأنه خير مما أشير إليه من الثناء والمديح كله على الأزواج السابق ذكرهم ، فمالك هذا له إبل كثيرة ، دائمة البروك بالحظيرة انتظاراً لقدوم الضيف ، ولهذا الرجل علامة وإشارة بينه وبين أهله أو خدمه ، فإذا نزل بهم الضيف ، أعطى الرجل الإشارة بالمزهر ، دلالة لإعداد الطعام ـ فلا يسمع الضيف ندائه بإعداد الطعام فيتحرج ـ وقد اعتادت الإبل عند سماع الملاهى أن توقن بالهلاك وهو النحر ، ليقدم لحمها طعاماً لضيوفه ، وهذا غاية الكرم .
ـ قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ .
أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ .
ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ .
بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ؟ طَوْعُ أَبِيهَا ، وَطَوْعُ أُمِّهَا ، وَمِلْءُ كِسَائِهَا ، وَغَيْظُ جَارَتِهَا .
جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ؟ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا .
قَالَتْ : خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا ، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا ، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا ، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا ، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا ، وَقَالَ : كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ ، قَالَتْ : فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ ".
ـ قولها "أناس من حلى أذنى" أى حلانى بأنواع الزينة التى تعلقن بأذنى .
ـ قولها "وبجحنى فبجحت إلى نفسى" أى : سرنى وفرّحنى بحسن معاملته فعظمت نفسى فى عينى ، أو عظمنى ورفع من شأنى فعظمت نفسى فى عينى ، حتى شعرت بأنى أميرة الأميرات ، رغم أنه :
ـ وجدنى فى أهل غنيمة بشق … أى : وجدنى فى أهل فقراء ، ليس لهم من الغنم إلا قليل ، فانتشلنى من هذا الحال فجعلنى فى أهل الثراء مع الخيل والإبل والزرع والخدم والدجاج وسائر الأنعام .
ـ فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقنح : أى أتكلم فلا يقبح قولى أو يسفهه ، وعنده أنام فلا يوقظنى أحد حتى استيقظ من نفسى ، وإذا شربت ارتويت من الشراب .
ثم هى بعد أن وصفت زوجها انتقلت بالثناء إلى أمه وابنه وابنته بل حتى إلى جاريته ، وهذا إنما يدلك على مدى تعلق هذا المرأة بزوجها ، فهى لم تكتفى بمدح الزوج حتى اتبعت هذا بالثناء على أمه (حماتها) ! تصفها بأن سمينة الجسم واسعة البيت ، وابنه : هادئ الطباع قليل الطعام ، وابنته : سمينة كأمها ، وهى طوع أمر أبيها وأمها ، وهى غيظ جارتها : أى جيران أبيها وأمها ، أو غيظ جارتها : أى أن زوج البنت كان متزوجاً عليها فكانت هى أفضل أزواجه - جارتها - إليه ، ثم إليكم أيضاً وصف جارية وخادمة أبى زرع : فهى كتومة لا تنشر خبر بيتنا والحديث عنه ـ هذه الجارية أو الخادمة وليست الزوجة ! ـ ولا هى تهمل أمر طعامنا فهى ليست بالمبذرة ، أو ليست بالتى تسرق من ثمن طعامنا عند شرائه ، وهى مع هذا كله نظيفة ، تحافظ على نظافة بيتنا !!! .
ثم أخذت بالعود مرة أخرى فى بيان حال أبى زرع ، تقول : خرج زوجها ذات يوماً ـ لعله كان غاضباً ، فرأى امرأة جميلة معها ولدان يشبهان البدر فى الجمال ، والفهد فى الحيوية والنشاط ، يلعبان بثديى أمهما ، اللذين يشبهان الرمانتين ، تقول : فطلقنى ونكحها ، تقول : فتزوجت بعده رجلاً سرياً شريفاً ، أعطانى كل ما أريد من أنواع النعم ، ولم يبخل على بشئ ، وقال لى : تمتعى وأعطى أهلك ما تشائين من أنواع الخيرات ، تقول : فلو جمعت كل شئ أعطانيه هذا الزوج الثانى ما بلغ أصغر آنية أبى زرع ، وذلك لشدة حبها وعظم الخير الذى كان عند زوجها الأول (1) .
ـ قَالَتْ عَائِشَةُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ" هذه رواية البخارى ومسلم ، وفى رواية للطبرانى" كنت لك كأبى زرع لأم زرع ، لكن لا أطلق النساء" .
ـ ومن صور حسن المعاشرة أيضاً : إشاعة المرح والسرور والبهجة والتلطف مع الزوجة ، روى البخارى (2) عن عروة عن عائشة قالت : "رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ" .
ـ وعن الصديقة بنت الصديق عائشة ـ رضى الله عنها ـ أيضاً قالت : "خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ فَقَالَ لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا ، ثُمَّ قَالَ لِي تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ ، فَسَكَتَ عَنِّي حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ بِتِلْكَ " (1) .
ـ وعنها أيضاً ـ رضى الله عنها ـ قالت : "كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ" (2) .
ومن السلوكيات التى على الزوج التحلى بها أيضاً :
ـ ألا يطرق أهله ليلاً :
روى البخارى عن جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنهما ـ قال : "كَانَ النَّبِيُّ يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا" (3) ، وعنه أيضاً أن النبى قال : "إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ " (4) .
قال أهل اللغة : الطروق بالضم المجئ بالليل من سفر أو من غيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار إلا مجازاً .
وقال بعض أهل اللغة : أصل الطروق الدفع والضر وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدقها بأرجلها وسمى الآتى بالليل طارقاً لأنه يحتاج غالباً إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمى الأتى فيه طارقاً .
ـ وقول فى رواية أخرى صحيحة عن جابر : "إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا" وفيه التقييد فيه بطول الغيبة ، أى يشير إلى أن علة النهى إنما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، بخلاف من يخرج نهاراً إلى عمله ثم يعود ليلاً ، وإنما المراد من طالت غيبته فلا يطرق أهله ليلاً بدون تنبيه خشية أن تقع عينه على ما يكره من عدم النظافة ونحوها مما قد يسبب له النفرة ، والشرع الحكيم إنما يحرض على الستر ، وقد وقع فى بعض الروايات : "أَنْ يُخَوِّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ " .
ـ فعلى الزوج عند عودته من العمل مثلاً ألا يهم على أهله ليلاً فيفتح عليها الباب "بالمفتاح" دون الاستئذان والتوطئة بدق "الجرس" مثلا لئلا يرى منها ما يكون سبباً فى نفرته منها ، أو يطلع على عورة منها لا تريد منه أن يراها .
وفى حديث الإسراء والمعراج هذا الأدب اللطيف فى الاستئذان ويظهر جلياً فى دق جبريل باب السماء الأولى طلباً للصعود والدخول ، ثم تكرر هذا الأمر فى كل سماء ، وسؤال الملائكة الطارق فيرد باسمه ثم سؤالهم عمن معه وهكذا… وفى هذا من الحكم والأدب ما على المسلم من تأمله وتدبره (1)
ـ ومن السلوكيات التى على الرجل التحلى بها أيضاً : مراعاة غيرة النساء .
روى أنس قال : "كَانَ النَّبِيُّ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ(2) فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ فِلَقَ الصَّحْفَةِ(3) ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ(4) صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ " (5) .
ـ ففى هذا الحديث التنبيه إلى عدم مؤاخذة الغيراء لأنها فى تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدة الغضب الذى أثارته الغيرة .
وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء لكن إذا أفرطت فى ذلك بقدر زائد عليه تلام وضابط ذلك ما ورد فى الحديث الآخر عن جابر بن عتيك الأنصارى رفعه : "إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ وَمِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ ، وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يَبْغُضُ اللَّهُ الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ" (1) .
ـ وهنا ننبه "الرجال" الذين تهاونوا فى أجساد نسائهم فأصبحت مرتعاً لأعين الذئاب فى كل مكان ، فى الطريق ، فى العمل ، فى وسائل الإعلام ، حتى دخل العرى والتهاون "بالعِرض" بيوت المسلمين ـ إلا من رحم الله ـ حتى يرى "الرجل" زوجته تجلس أمام "شقتها" مع جارتها وقد ارتدت ما يكشف كتفيها وبعض صدرها ، وساقيها ، أو تجالس أصدقاء الزوج ـ فى الزيارات ! ـ وقد تعرى صدرها أو ظهرها بعد أن تعرت هى من أوامر ربها ، حتى صارت "الدياثة" هى العرف السائد فى بيوت وشوارع المسلمين ، حتى أصبحت صاحبة النقاب هى "العفريت" الذى تهدد به بعض الأمهات أبنائها الصغار! وغدا "الرجل" يرى ابنته تخرج إلى "الدِراسة" أو العمل وهى ترتدى "الجينز أو الاستريتش" وقد بدت عورتها ومفاتن جسدها لكل لذى عينين، تخرج الفتاة بهذا الزى ويراها الأب وهو يحتسى كوب "الشاى" ولا يتحرك فيه ساكناً ! بل وصل الأمر ببعض الأباء بضرب ابنته إذا شعر الأب بتحولٍ فى حياة ابنته من التبرج إلى الالتزام بشرع ربها وستر عورتها ! وقد نسى الأب قول النبى :" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" الحديث ، وغاب عن الأب فى دنيا الناس أنه سيقف يوماً بين يدى رب السموات والأرض ليسأله عن تلك الذنوب التى تحملها هو وابنته بخروجها متبرجة ـ وهو يجلس يحتسى شاى الصباح ! ـ فكل نظرة على المتبرجة بذنب تتحمله هى ومن تركها تخرج بهذا التبرج والسفور ـ وغاب عن الأب والزوج قوله : "لا يدخل الجنة ديوث" (1) وهو الذى يقر السوء فى أهله ! .
لهذا وجب على الزوج التنبيه واستنفار الغيرة فيه على أهل بيته ، روى البخارى عن سعد بن عبادة أنه قال : "لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَقَالَ النَّبِيُّ أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي" (2) .
وعن عبد الله عن النبى قال : "مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ" (3) .
و عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن رسول الله قال : "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا" (4) .
وعن عروة بن الزبير عن أمه أسماء أنها سمعت رسول الله يقول : "لَيْسَ شَيْءٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ " (5) .
ـ ومن أبواب حسن العشرة أيضاً : النهى عن الضرب المبرح :
ـ قال تعالى : (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء : 34) وقال : "فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا" (1) .
يقع كثير من الأزواج فى خطأ عظيمٍ وهو تعد حدود الله فى مراتب تأديب النساء ، فيبدأ أحدهم أول ما يبدأ بالضرب ، وقد أرشد تعالى عباده المؤمنين إلى كيفية تأديب المرأة التى تخاف نشوزها ، فبدأ تعالى بموعظة الزوجة وتخويفها عذاب الله إن هى عصت زوجها ، وأنه جنة المرأة أو نارها ، وأنه لو كان لأحد أن يسجد لأحد لسجدت المرأة لزوجها من فرط طاعته عليها ، واصحب هذه الموعظة ببيان مدى حبك لها ، وليكن أمامك قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (المؤمنون : 96) ، وقوله : "لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ" (2) ، والمراد بالقوارير : جمع قارورة وهى الزجاجة ، والمراد : النساء ، وإنما شبههم بالقوارير : أى الزجاج : لرقتهن وضعفهن ولطفهن .
فإن هى لم تتعظ وتثب إلى رشدها انتقل الزوج إلى المرحلة الثانية فى التأديب وهى "الهجر فى الفراش" فيهجر الرجل زوجته فى فراشها ويوليها قفاه ، أو يهجر حديثها إظهاراً لغضبه .
فإن عادت إلى حظيرة الطاعة فبها ونعمت ، وإلا انتقل إلى المرتبة الثالثة وهى الضرب لقوله تعالى : (وَاضْرِبُوهُنَّ) ، وقوله فى حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله فذكر حديثاً طويلاً وفيه : "فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ" (1) الحديث ، وفى حديث جابر الطويل عند مسلم "فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ" (2) أى غير مؤلم (3) ، وروى البخارى عن عبد الله بن زمعة عن النبى : "لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ" (4) .
ـ فضرب النساء لا يباح مطلقاً بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم ، فهو ضرب تأديب وليس ضرب العبد أو الأمَة أو ضرب التعذيب ، وليحذر الوجه .
وقد جاء النهى عن ضرب النساء مطلقاً فعند أحمد وأبى داود والنسائى وصححه بن حبان والحاكم من حديث إياس بن عبد الله بن أبى ذباب : "لَا تَضْرِبُنَّ إِمَاءَ اللَّهِ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأْمُرْ بِضَرْبِهِنَّ فَضُرِبْنَ ، فَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ طَائِفُ نِسَاءٍ كَثِيرٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَقَدْ طَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّ امْرَأَةٍ تَشْتَكِي زَوْجَهَا فَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ" (5) وله شاهد من حديث ابن عباس فى صحيح ابن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبى بكر عند البيهقى .
ـ وقوله : "ذئر" بفتح المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء أى نشز بنون ومعجمة وزاى ، وقيل معناه غضب واستب ، قال الشافعى : يحتمل أن يكون النهى على الاختيار والأذن فيه على الإباحة ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ، ثم إذن بعد نزولها فيه .
ـ وفى قوله : "أن يضرب خياركم : دلالة على أن ضربهن مباح فى الجملة ومحل ذلك أن يضربها تأديباً إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل لما فى وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة فى الزوجية إلا إذا كان فى أمر يتعلق بمعصية الله وقد أخرج النسائي فى الباب حديث عائشة : "ما ضرب رسول الله امرأة له ولا خادماً قط ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا فى سبيل الله أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله" (1) .
ـ فالزوج لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد أن يستنفذ السبل والمراتب التى بينها تعالى فى كتابه ، وكلما ابتعد الزوج عن الضرب كان له أفضل ، وقال : "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت ، فإنه أدب لهم" (2) .
قال ابن الأنبارى : لم يرد الضرب به لأنه لم يأمر بذلك أحداً ، وإنما أراد ألا ترفع أدبك عنهم (3) .
ـ ومن السلوكيات أيضاً : أن يتأدب الرجل بأدب خلع الحذاء عند ولوجه بيته فى المكان المخصص له .
ـ أن يتأدب بأدب وضع ملابسه عند خلعها فى مكانها المخصص لها ، كى لا يرهق زوجه بكثرة الأعمال فى البيت .
ـ كما على الزوج أيضاً أن يعرف حقوق وواجبات أهل عروسه ، فيكون فى استقبالهما بالإبتسامة والترحيب ومجالستهم…
ـ ومن السلوكيات أيضاً التى على الزوج أن يتحلى بها فى بيته :
ـ الحذر مما يقع فيه كثير من الأزواج حيث ترى بعضهم وقد ظن أنه بزواجه فهو صاحب البيت ومالكه وكأنه يعيش فيه وحده ، فلا تراه زوجه إلا وهو رث الثياب ـ ما دام داخل البيت !!! ـ ولا تشم منه إلا أقذر ريح ! سواء كان جالساً أم قائماً ! (1) .
ـ ترخيم اسم الزوجة : عن أبى سلمة إن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : "قال رسول الله يوماً : يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام ، فقلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، ترى ما لا أرى ، تريد رسول الله " (2) .
ـ ومن السلوكيات أيضاً : أن يذّكر الرجل زوجه بأنها أجمل هدية قدمتها له فلانة حين عرضتها عليه ، وأنها أجمل من دخل حياته ، وأنه سعيد بهذا الزواج ونحو هذا .
ـ أن يطعمها : بأن يضع اللقمة فى فيها ـ وله فيها أجر ـ أثناء الأكل ، وأن يكثر من المزاح (3) والابتسام خفيف الظل ، أثناء الطعام ، "وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وسَاعَةً" ، أخرجه مسلم .
ـ ومن السلوكيات أيضاً : ما يفعله بعض الأزواج بمحادثة زوجته من عمله ليطمئن عليها ، وما أجمل أن يحدثها فى الهاتف بعد خروجه من البيت أو فى عمله أو قبل عودته فيقول لها : أحبك … ، وما أروع هذه الكلمة وأوقعها عند الزوجة ، وما أجمل هذا الفعل أيضاً من الزوجة لزوجها.
ـ ومنهم من يعود إلى بيته ومعه هديته : زهرة ، شيكولاته ، مصاصة ! نعم مصاصة ، فقط تشعر الزوجة أنك تتذكرها دوماً ، علبة حلوى ، شئ تحبه الزوجة ويعرف الزوج هذا منها ، إلى غير ذلك ، فسبل التعبير عن حبك لزوجتك وأنها معك دائماً وتفكر فيها دوماً كثيرة ، فقط أطرق الباب ، وستجد أضعاف هذا من زوجتك .
ـ ومن السلوكيات أيضاً : تزين الرجل لزوجته : فعلى الرجل أن يتزين لأهله كما يحب أن تتزين هى له (1) ، وقد كان يتزين لأهله ، وكان من خير زينته السواك ، كما سئلت أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ عما كان يبدأ به عند دخوله بيته ؟ قَالَتْ : بِالسِّوَاكِ(2) .
وقد قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الذى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة : 228) ، وقال : "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ" (1) فكما أن للمرأة أن تتزين لزوجها ، على الرجل أيضاً أن يتزين لزوجه ، وكما يحب منها أن تستحم وتمشط شعرها وتتطيب ونحو هذا قبل الجماع ، فعليه أيضاً مثل هذا ، فكما يريد أن لا يشم منها إلا أطيب ريح ، فلها أيضاً مثل ذلك ، فعليه أن لا تشم منه إلا أطيب ريح ، وكما يريد منها ألا يراها فى ثياب رثة ، فلها أيضاً وعليه أن لا تراه فى ثياب رثة ، وقد روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : إنى لأتزين لإمراتى كما تتزين لى .
ـ سلوكيات الزوجة :
ومن السلوكيات التى على المرأة التحلى بها فى البيت :
ـ تحريم إفشاء سر الإفضاء :
وليحذر الزوجان من إفشاء أسرار الجماع كما يجرى على ألسنة كثير من الشباب غير الملتزم بدينه من التفاخر والتباهى بما يجرى بين وبين أهله وأنه ظل يمارس العملية الجنسية فترة كذا وكذا ! لقوله : "إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا" (2)وعن أسماء بن يزيد ـ رضى الله عنها ـ : "أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقُلْتُ إِي وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانِ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ" (3) .
ففى هذا بيان حرمة نشر وإفشاء أمور الاستمتاع ووصف تفاصيله ، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة ، وقد قال : "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" (1) وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعى عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة فى ذكره .
ـ ومما يؤسف له أن ظاهرة إفشاء أسرار الجماع أصبحت فاشية وظاهرة بين كثير من النساء ، حتى إذا إجتمع بعضهن فلا يكون الحديث إلا عن الجماع وما ترتديه كل منهن لزوجها عند الجماع ، وتروى هذه ، وتحكى تلك ، ماذا ترتدى وماذا تفعل ؟ وفى هذا استثارة لمن لا تملك مثل ما تملك المتحدثة من ملابس ، مما يثير الضغائن بين النساء وأزواجهن ، بل وصل الأمر ببعضهن أن يكون الحديث عن مدة فترة الجماع ، فتروى هذه أن زوجها يعاشرها فترة كذا ، وتلك تتباهى أن زوجها أشد منه وأقوى إذا تكون معاشرته لها تستمر فترة كذا ، مما يجعل بعضهن يسئن الظن بأزواجهن وأنهم غير كفء لهن !! ومما يجعل المرأة اللعوب تنظر إلى زوج تلك الذى يطيل فترة الجماع كذا وكذا فترمى شباكها عليه فتكون قد جنت على نفسها براكش .
ـ فالحذر الحذر أختاه من نشر وإفشاء سر الجماع بينك وبين زوجك حتى تحفظي عليك بيتك وزوجك .
ـ عدم إستقبال الرجل بعد عودته من عمله بـ "دخول الحمام" !!! :
فان بعض من النساء يقعن فى هذا الخطأ الفاحش ، وذلك حينما تستقبل الزوجة زوجها بعد عودته من عمله بتزيين نفسها ، فتبدأ أول ما تبدأ بدخول الحمام لقضاء حاجتها !!! ، ثم الاستحمام …الخ ، مما يؤدى إلى نفور الرجل ، خاصة إذا كانا يعيشان فى مكان غير متسع ، فيشم الرجل من المرأة ما يكره ، فينفر منها .
وإنما عليها "قضاء حاجتها" والتزين لزوجها قبل موعد عودته إلى البيت ، فيرى منها أول ما يرى عند ولولجه بيته أجمل ما يريده من زوجته .
ـ التحذير من كفران العشير :
روى البخارى عن عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : "قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ" (1) .
ـ العشير : أى الزوج ، من المعاشرة ، وهذا هو حال المرأة إذا أحسنت إليها الدهر كله ، قولاً وفعلاً ، ثم أنت لم تلبى لها طلباً من ملبس أو مأكل أو تنزه ونحو هذا ، قالت : ومتى رأيت منك الخير منذزواجنا ، ومتى كنت حانياً رقيقاً شفيقاً مرحاً جواداً ، هذه هى حياتى معك : شقاء وعناء منذ أول ليلة من زواجنا التعيس ….
ـ ويرتبط بالسابق : الحذر من ذكر المرأة مساوئ ومعايب الزوج عند الشجار أو الخلاف والشقاق ، له أو لغيره ، وهذا الفعل من الزوجة يوغر صدر الرجل جداً ، فلتكن منه المرأة على حذر.
ـ وماذا إذا كان الزوج بخيلاً ؟
وأما إذا كان الزوج بخيلاً فلزوجته أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها أن كان لها ولد ، فقد روى البخارى أن هند امرأة أبى سفيان جاءت يوماً إلى رسول الله فقالت له : إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ قَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ (1) .
ـ فكيف تُظهر المرأة غضبها ؟
ـ إن للمرأة فى إظهار غضبها من زوجها أنواعاً وطرقاً شتى ، فمنهم من تحيل حياة زوجها جحيماً لا يطاق ، تارة بالصوت وتارة بالفعل ، أو تجمع كلاً له !! ومنهن من تهجر الفراش ، ومنهن من تهجر البيت كله مخلفة ورائها كل "فضاء" فى حياتها وبيتها ، ومنهن من تشتكى الجارات والجيران….
ولك أن تتأمل عمل أم المؤمنين عائشة فى بيان وإظهار غضبها : قال رسول الله لعائشة يوماً : "إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ ، قَالَتْ : قُلْتُ : وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَتْ: قُلْتُ : أَجَلْ لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ (2) .
ـ ففيه استقراء الرجل حال زوجته من فعلها أو قولها ، والعمل على إصلاح ما بينه وبينها ليعود الحب والوئام إلى حياتهما ، وتأمل قول أم المؤمنين ـ رضى الله عنها ـ التى لم تهجر البيت أو الفراش أو تفعل كذا وكذا من فعل نساء المسلمين اليوم ، إنما فقط كانت تهجر اسم النبى إلى اسم إبراهيم ! .
ـ وليكن الزوج صبوراً حليماً عند غضب الزوجة أو تدللها !! .
وللزوجة أسوق إليها هذا الحديث الطيب : عن عائشة رضى الله عنها : قالت " ما غرت للنبي على امرأة من نسائه ما غرت على خديجة لكثرة ذكره إياها ، وما رأيتها قط" ، وتقول أيضاً : " استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله فعرف استئذان خديجة(1) فارتاح لذلك فقال : اللهم هالة بنت خويلد(2) فغرت ، فقلت : وما تذكر من عجوزٍ من عجائز قريش ، حمراء الشدقين ، هلكت في الدهر فأبدلك الله خيراً منها"(3) .
ـ فماذا عن الزوجة التى لا تحمد زوجها ، مما يؤدى إلى وقوع كثير من المشاكل بين الزوجين ؟
ـ الجواب : أسوق للزوج هذا الحديث الشريف : "عن عائشة قالت :" لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ(4) جَاءَنِي النَّبِيُّ فَأَخْبَرَنِي بِذَلِكَ فَقُلْتُ نَحْمَدُ اللَّهَ لَا نَحْمَدُكَ (5) ، وليعلم الزوج أنه لا توجد امرأة كاملة الخصال والأوصاف ، فإنما خُلقت المرأة من ضلع أعوج ، وإن أعوج الضلع أعلاه ، فإن أنت ذهبت تُقيمه كسرته وكسر المرأة طلاقها ، وإذا أردت أخى الحبيب "فاطمة" فكن أنت "علياً" ، وقد قال : "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ "(1) ، وقال تعالى : (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (البقرة : 216) .
فكم من خلق طيب كريم فى زوجتك ، إن ذهبت تحصيه وجدته يفوق ما تنقمه منها ، وكفاك أنك تجد المصرف الحلال لشهوتك ، وكفاك وضع رأسها على كتفيك وصدرك ، وكفاك أن تجد منها اللمسة الحانية الرقيقة ، وكفاك أنها من تقوم على شئون بيتك وشئونك ، وكفاك … ، وكفاك ، وكفاك….
قال بعضهم :
مــن ذا الــذى مـا ســاء قـط ومــن لــه الحسنـــى فقــط
وقال آخر :
من ذا الذى ترضى سجاياه كلَّها كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه
وقال آخر :
أرى كل إنسان يرى عيب غيره ويعمى عن العيب الذى هو فيه
فيرى الزوج "القذلة" فى عين زوجته ، ويغفل عن "الخشبة" فى عينه !!! .
وللزوجة أقول : قال :" لا ينظر الله إلي امرأة لا تشكر لزوجها وهى لا تستغنى عنه"(2) .
ـ بماذا تنصح كل زوج ليستديم محبة زوجته له ، غير ما تقدم من سلوكيات ؟
ـ الجواب : أقول له : هناك أموراً كثيرة بها تستطيع أن تستديم محبة زوجتك لك ، فإلى ما تقدم :
1- أكثِر من مغازلة زوجتك فى البيت ـ خاصة فى شهور الزواج الأولى ، فإن ذكريات الأيام والشهور الأولى ستُطبع فى ذاكرتها إلى الأبد ، وبها ومن أجلها تتحمل الزوجة الكثير والكثير .
ومغازلة الزوجة : تارة تكون بأن تمتدح ملبسها وشعرها ومأكلها ومشربها ، وتارة إذا دخلت لتعد لك الطعام ـ مثلاً ـ اذهب خلفها واحتك بها من خلفها مزاحاً ، وتارة بمغازلتها بالكلام الفاحش فى أثناء النهار دون أن تكون هناك معاشرة جنسية ، وتارة بالنظر إلى مفاتنها ومدحها ، إلى غير ذلك .
وهناك من الأزواج من تكون له ولزوجه "كلمة سرّ ! أو إشارة أو علامة اتفقا عليها كناية عن الجماع !!!" ـ فى أيام الزواج الأولى ـ فما أن يقولها الزوج ـ مازحاً معها ـ فى حضور الأهل مثلاً ـ إلا ويضحك الزوجان معاً ، ولا يدرى الحضور ـ مثلاً ـ عما يتحدثا ، والمراد : أن هناك وسائل شتى لإشاعة جو المرح وبيان حب الرجل زوجته .
2- لا تنسى السؤال عن صحتها يومياً (1) .
3- لا تنم إلا بعد أن تمسك يدها وتتحدثا معاً ولو قليلاً ، فهناك من يحرص على ألا ينام ـ وجد الجماع أم لا ـ إلا بعد يمسك بيد زوجته ـ وقد ناما على ظهرهما ـ ويتحدثا قليلاً ، وإن لم يكن الزوج يفعل هذا تفعله الزوجة (2) حتى يكون أحد الطقوس المعمول بها دوماً قبل النوم ، وهذا مما يزيد جداً فى زيادة الحب والارتباط بين الزوجين .
4- لا تنسى شكرها ـ بالكلمة أو باللمسة ـ على ما تعانيه فى أعمال البيت .
5- تأدب فى الحديث معها ، مبتدئاً كلامك بـ "لو سمحتِ" منتهياً بـ "جزاك الله كل خير" أو "شكراً" ، فإنه إذا كان هذا حديثك مع زميلتك فى العمل أو صديقك ، فالزوجة أولى بهذا .
6- لا تنسى قبلة الصباح قبل الخروج إلى العمل ، وقبلة المساء عند النوم .
7- ضع القواعد فى بداية الحياة الزوجية التى تسيرا عليها معاً دون إجحاف لها ، ككيفة النقاش واحترام كل طرف رأى الطرف الآخر ، وعدم ارتفاع الأصوات عند النقاش ، وإذا ارتفع صوت طرف خبا صوت الطرف الآخر ، ومتى يبدأ النقاش وكيف ، ومتى لا يكون هناك نقاش ، كيفية التعامل مع الأهل والزيارات ،….
8- أخرج معها إلى التنزه كلما استطعت هذا .
وللزوجين :
9- لتكن غاية كل منكما إسعاد الآخر .
10- لا تجعلا نهاركما يمر بجفاء ، دون أن يتخلله الحب والغرام .
11- ليتساهل كل طرف أمام قرينه .
12- لا يكرر أحدكما طلباً رفضه الآخر من قبل .
13- لا تكررا حديثاً عن مشاحنة أو شقاق كان ، حتى لا تعيدا الأحزان والمضايقات .
14- لا تتقابلا إلا والابتسامة تعلو الوجه (1) .
15- لا تغضا معاً فى وقت واحد ، ولتكن أنت ـ صاحب القوامة ـ أكثر صبراً واحتمالاً ، ولا تنسى أنك تتحدث إلى حبيبتك وزوجتك .
16- استمع إليها وإلى حديثها ، وإياك من تسفييه رأيها ، أو الاستهانة بعقلها ، ولك فى رسول الله الأسوة الحسنة كما تقدم فى حديث أم زرع ، وكما استمع إلى رأى زوجته عند النحر .
17- الحذر من مرض "الخرس الزوجى" بعد الزواج ، وهذا المرض كثيراً ما يصيب الرجال بعد الزواج مما يؤدى بكثير من الزيجات إلى الموت بمرض "السكتة الكلامية" !! .
ـ قاعدة هامة : وهذه قاعدة هامة جداً لو وضعها كل زوج موضعها لوجد فيها الراحة الزوجية التى يفتقدها الكثير من الأزواج ، وهى : أن يتعامل الزوج مع زوجته على أنها لم تزل بعد الخطيبة لا الزوجة ومن المقرر أن ـ أكثر الخطاب ـ فترة الخطبة وزمانها يحاول جاهداً أن يُظهر أفضل وأحسن ما يتحلى به ، وأن "يتكلف" (1) بعض الأخلاق وإن لم يكن يتخلق بها ، فترى بعضهم لا يستطيع ـ مثلاً ـ أن يتحمل مداعبة طفل ، ولكنه عند وجوده فى بيت خطيبته تراه يلاعب الأطفال ويلعب معهم ويضاحكهم كطفل صغير ، فيرسم البسمة على وجه خطيبته ، وتري فيه الزوج العطوف على الأطفال المحب لهم ـ وان كان الأفضل والأولى أن يكون الخاطب على سجيته ولا يتكلف من الأخلاق ما ليست فيه حتى لا يدخل فى باب الغش والخداع ـ والمراد : أن الرجل إذا تزوج تراه يكون فى بيته رث الهيئة قبيح المنظر ، تشم منه زوجت