بارك الله فيك اختي المسلمه /نعمان الشماري
فصل
صور من سيرة المسلمة العالمة
حفصة بنت سيرين: أم الهذيل، الفقيهة، الأنصارية:
قال هشام بن حسان:
قرأت حفصة بنت سيرين القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، وماتت وهي ابنة تسعين.
وعنه أن ابن سيرين كان إذا أُشكل عليه شيء من القرآن قال: اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ.
وعنه قال: اشترت حفصة جارية أظنها سِنْدية، فقيل لها: كيف رأيتِ مولاتك؟ فذكر إبراهيم كلامًا بالفارسية، تفسيره: أنها امرأة صالحة، إلا أنها أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهي الليل كله تبكي وتصلي.
وعنه قال: قد رأيت الحسن وابن سيرين، وما رأيت أحدًا أُرَى أنه أعقلُ من حفصة.
وعن عبد الكريم بن معاوية قال: ذُكر لي عن حفصة أنها كانت تقرأ نصف القرآن في كل ليلة، وكانت تصوم الدهر، وتفطر العيدين وأيام التشريق.
وعن هشام: أن حفصة كانت تدخل في مسجدها فتصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم لا تزال فيه حتى يرتفع النهار، وتركع، ثم تخرج فيكون عند ذلك وضوءها ونومها، حتى إذا حضرت الصلاة عادة إلى مسجدها إلى مثلها.
وعن مهدي بن ميمون قال: مكثت حفصة في مُصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو لقائلة( ).
عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة (ت98 أو 106هـ):
الأنصارية، النجارية، المدنية، الفقهية، تربية( ) عائشة وتلميذتها، قيل: لأبيها صحبة، وجدها سعد من قدماء الصحابة، وهو أخو النقيب الأكبر أسعد بن زرارة.
كانت عالمة فقيهة، كثيرة العلم، حدثت عن عائشة، وأم سلمة، ورافع بن خديج، وأختها أم هشام بنت حارثة، وحدَّث عنها ولدها أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن، وابناه حارثة، ومالك، وابن أختها القاضي أبو بكر بن حزم وابناه: عبد الله ومحمد، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون.
وحديثها كثير في دواوين الإسلام.
روى أيوب بن سويد، عن يونس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد أنه قال لي: يا غلام، أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟ قلت: بلى. قال: عليك بِعَمْرة فإنها كانت في حجر عائشة رضي الله عنها. قال: فأتيتها، فوجدتها بحرًا لا يُنزَف( ).
وهذه ابنة سعيد بن المسيب لما أن دخل بها زوجها وكان من أحد طلبة والدها، فلما أن أصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج، فقالت له زوجته: إلى أين تريد؟ فقال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم. فقالت له: اجلس أعلمك علم سعيد( ).
مُعاذة بنت عبد الله (ت83هـ):
السيدة العالمة، أم الصهباء العدوية البصرية العابدة، زوجة السيد القدوة صِلة بن أشيَم، رَوَت عن علي بن أبي طالب، وعائشة، وهشام بن عامر، حدَّث عنها أبو قلابة الجرمي، ويزيد الرِّشك، وعاصم الأحول، وعمر بن ذرّ، وإسحاق بن سويد، وأيوب السختياني، وآخرون، وحديثها محتج به في الصحاح، وثقها يحيى بن معين.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله:
بلغنا أنها كانت تُحيْي الليل عبادة وتقول: عجبتُ لعين تنام، وقد علمت طول الرقاد( ) في ظلم القبور.
ولما استُشهد زوجها صلة وابنها في بعض الحروب، اجتمع النساء عندها، فقالت: مرحبًا بكنَّ إن كنتنَّ جئتنَّ للهناء، وإن كنتن جئتُنَّ لغير ذلك فارجعن.
وكانت تقول: والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي بالوسائل، لعله يجمع بيني وبين أبي الشعثاء وابنه في الجنة( ). اهـ.
أم الدرداء الصغرى:
السيدة العاملة الفقيهة، هُجَيمة بنت يحيى الوصَّابِيَّة، الحِميَريَّة الدمشقية.
روت علمًا جمًا عن زوجها أبي الدرداء، وعن سلمان الفارسي، وكعب بن عاصم الأشعري، وعائشة، وأبي هريرة، وطائفة.
وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء، وطال عمرها، واشتهرت بالعلم والعمل والزهد.
وقال ابن جابر وعثمان بن أبي العاتكة: كانت أم الدرداء يتيمةً في حِجر أبي الدرداء، تختلف معه في بُرنُس، تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حِلق القرآن تعلَّم القرآن، حتى قال لها أبو الدرداء يومًا: الحقي بصفوف النساء.
وعن جُبير بن نُفير، عن أم الدرداء، أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبويَّ في الدنيا، فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة. قال: فلا تنكحين بعدي، فخطبها معاوية، فأخبرته بالذي كان فقال: عليك بالصيام.
قال مكحول: كانت أم الدرداء فقيهة.
وعن عون بن عبد الله قال: كنا نأتي أم الدرداء، فنذكر الله عندها.
وقال يونس بن ميسرة: كن النساء يتعبَّدن مع أم الدرداء رضي الله عنها، فإذا ضعُفْنَ عن القيام تعلقنَ بالحبال.
قال إسماعيل بن عبيد الله: كان عبد الملك بن مروان جالسًا في صخرة بيت المقدس، وأم الدرداء معه جالسة، حتى إذا نُودي للمغرب قام، وقامت تتوكأ على عبد الملك حتى يدخل بها المسجد، فتجلس مع النساء، ويمضي عبد الملك إلى المقام يصلي بالناس.
وعن يحيى بن يحيى الغسَّاني قال: كان عبد الملك بن مروان كثيرًا ما يجلس إلى أم الدرداء في مُؤخَّر المسجد بدمشق( ). اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أم الدرداء الصغرى تابعية عابدة عالمة فقيهة، كان الرجال يقرءون عليها، ويتفقهون في الحائط الشمالي بجامع دمشق، وكان عبد الملك بن مروان يجلس في حلقتها مع المتفقهة، يشتغل عليها وهو خليفة، رضي الله عنها( ).
بنت الإمام مالك بن أنس:
وكان الإمام مالك يُقرأ عليه "الموطأ"، فإن لحن القارئ في حرف أو زاد أو نقص تدق ابنته الباب، فيقول أبوها للقارئ: ارجع، فالغلط معك، فيرجع القارئ، فيجد الغلط( ).
جارية الإمام مالك بن أنس:
وحكي عن أشهب أنه كان في المدينة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ـ وأنه اشترى خضرة من جارية، وكانوا لا يبيعون الخضرة إلا بالخبز، فقال لها: إذا كان عشية حين يأتينا الخبز فأتنا نُعطِك الثمن، فقالت: ذلك لا يجوز، فقال لها: ولم؟ فقالت: لأنه بيع طعام بطعام غير يدٍ بيد، فسأل عن الجارية، فقيل له: إنها جارية مالك بن أنس رحمه الله تعالى( ). اهـ.
أم علي تَقِيَّة:
العالمة المصرية الفاضلة أبوها الثقة أبو الفرج غيث بن علي، وولدها النحويّ القارئ أبو الحسين علي بن فضل، صحبت الحافظ المحدِّث أبا طاهر السَّلفي بثغر الإسكندرية زمانًا، فذكرها في بعض تعاليقه، وأثنى عليها، وعثر هو يومًا في منزله فانجرح أخمصه، فشقَّت وليدة في الدار خِرقة من خمارها وعصَّبته، فأنشدت تقية المذكورة في الحال لنفسها تقول:
لو وجدت السبيل بخدِّي
كيف لي أن أقبِّل اليوم رجلاً
وقد كتب الشيخ السلفي هذه الواقعة بخطه( ).
والدة الفقيه الواعظ المفسر زين الدين علي بن إبراهيم ابن نجا:
المعروف بـ"ابن نجية" سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الحنبلي.
قال ناصح الدين بن الحنبلي: قال لي والدي ـ زين الدين سَعِد بدعاء والدته ـ: كانت صالحة حافظة تعرف التفسير.
قال زين الدين: كنا نسمع من خالي التفسير، ثم أجيء إليها فتقول: إيش فسَّر أخي اليوم؟ فأقول: سورة كذا وكذا. فتقول: ذَكر قول فلان؟ وذكر الشيء الفلاني؟ فأقول: لا. فتقول: ترك هذا؟!
وسمعت والدي يقول: كانت تحفظ كتاب "الجواهر"، وهو ثلاثون مجلدة، تأليف والدها الشيخ أبي الفرج، وأقعدت أربعين سنة في محرابها( ).
فاطمة بنت الأستاذ أبي علي الحسن بن علي الدقاق:
الشيخة، العابدة، العالمة، أم البنين النيسابورية، أهْلُ الأستاذ أبي القاسم القُشيري، وأم أولاده، وكانت عابدة، قانتة، متهجدة، كبيرة القدر( ).
أم الخير الحجازية:
تصدرت حلقات وعظ وإرشاد المسلمات بجامع عمرو بن العاص رضي الله عنه في القرن الرابع الهجري( ).
وجاء في مقدمة كتاب "المعلمين" لابن سحنون: أن القاضي الورع عيسى بن مسكين كان يقرئ بناته وحفيداته. قال عياض: فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله فاتح صقلية "أسد بن الفرات" بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة.
وروى الخشني: أن مؤدبًا كان بقصر الأمير محمد بن الأغلب، وكان يعلم الأطفال بالنهار، والبنات في الليل( ).
قال الإمام ابن الحاج رحمه الله تعالى: وقد كان في زماننا هذا سيدي أبو محمد رحمه الله تعالى قرأت عليه زوجته الختمة فحفظتها، وكذلك رسالة الشيخ أبي محمد ابن أبي زيد رحمه الله، ونصف "الموطأ" للإمام مالك رحمه الله تعالى، وكذلك ابنتاها قريبان منها، فإذا كان هذا في زماننا فما بالك بزمان السلف رضوان الله عليهم أجمعين، والعالم أولى من يحمل أهله ومن يلوذ به على طلب المراتب العلية فيجتهد في ذلك جهده، فإنه آكد رعيته، وأوجبهم عليه وأولاهم به( ).
7ـ تعظيم حق الزوج والوفاء له حيًا وميتًا:
إن الثبات على صدق الوفاء من أفضل ما تتحلى به النساء، ولهذا (درجت المرأة المسلمة على مواتاة زوجها ومصافاته، واستخلاص نفسها له، واحتمال نبوة الطبع منه، وأكثر ما كان صفاء نفسها وسماح خلقها وعذوبة طبعها إذا استحال الدهر بالرجل فرزأه في ماله، أو نكبه في قُوتَّه، أو بدله بكرم المنصب وروعة السلطان، أعرافًا من السجن، وأصفادًا من الحديد.
بل لقد كان وفاؤها له بعد عفاء أثره وامِّحاء خبره عديل وفائها له وهي بين أفياء نعمته، وأكناف داره، وكان إيثار الإسلام له بمَد حدادها عليه أربعة أشهر وعشرة أيام، لا تتجمل في أثنائها، ولا تزدان، ولا تفارق داره إلى دار أبيها ـ سُنة من سنن هذا الوفاء، وآية من آياته.
لذلك كانت المرأة المسلمة ترى الوفاء لزوجها بعد الموت آثر مما تراه لأبيها وأمها وذوي قرابتها، فكانت تؤثر فضائله، وتذكر شمائله في كل موطن ومقام، بل ربما عرض ذكره وهي بين خليفته من بعده، فلا تتحرج في ذكر فضائله وتفضيله إن كانت ترى الفضل له)( ).
ومن حديث ذلك: أن أسماء بنت عُميس كنت لجعفر بن أبي طالب، ثم لأبي بكر من بعده، ثم خلفهما عليٌ رضي الله عنه، فتفاخر مرة ولدها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر، كل يقول: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك، فقال لها عليٌ: اقضي بينهما يا أسماء، قالت: ما رأيت شابًا من العرب خيرًا من جعفر، ولا رأيت كهلاً خير من أبي بكر. فقال عليٌ: ما تركت لنا شيئًا، ولو قلت غير الذي قلت لمقتُّك( ). فقالت أسماء: إن ثلاثًا أنت أقلهم لخيار( ).
وأوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تُغَسله أسماء بنت عميس رضي الله عنها، ففعلت، وكانت صائمة، فسألت من حضر من المهاجرين وقالت: إني صائمة وهذا يوم شديد البرد، فهل عَلَيَّ من غُسل؟ فقالوا: لا. وكان أبو بكر رضي الله عنه قد عزم عليها( )، لما أفطرت، وقال: هو أقوى لك، فذكرت يمينه في آخر النهار، فدعت بماء، فشربت، وقالت: "والله لا أُتبعه اليوم حِنثًا"( ).
ومن ذلك أيضًا ما روي من أن النساء قُمن حين رجع رسول الله من أُحد يسألن الناس عن أهلهن، فلم يُخبرن حتى أتين رسول الله ، فلا تسأله واحدة إلا أخبرها، فجاءته حَمنة بنت جحش، فقال: "يا حمنة، احتسبي أخاك عبد الله بن جحش"، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمه الله، وغفر له. ثم قال: "يا حمنة، احتسبي خالك حمزة بن عبد المطلب" قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمه الله، وغفر له. ثم قال: "يا حمنة، احتسبي زوجك مصعب بن عمير"، فقالت: يا حَرَباه( ). قال النبي : "إن للمرأة لشُعبة من الرجل ما هي له في شيء"( ).
ولعمرك إن في قول رسول الله بلاغًا لما أوثرت المرأة به، وأبرَّتْ فيه من فرط الحنو على زوجها، وفضل الوفاء له بعد موته( ).
ولما تسور المجرمون الفسقة على أمير البررة، وقتيل الفجرة، عثمان رضي الله عنه، وتبادروه بالسيوف، ألقت زوجته "نائلة بنت الفرُفصة" بنفسها عليه حتى تكون له وِقاءً من الموت، فلم يرع القتلة الأثمة حرمتها، وضربوه بالسيف ضربة انتظمت أصابعها، ففصلتهن عن يدها، ونفذت إليه، فجندلته، ثم ذبحوه رضي الله عنه( )، ولما خطبها أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه أبت، وقالت: "والله لا قَعَدَ أحد مني مقعدَ عثمان أبدًا"( ).
ومع أن رغبة الأيِّم عن الزواج وكراهيتها له واعتكافها دونه لم يكن من مبادئ الإسلام في شيء، فقد قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32].
وعن جابر عن أم مبشر الأنصارية: أن النبي خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور( )، فقالت: إني اشترطت لزوجي ألا أتزوج بعده، فقال النبي : "إن هذا لا يصلح"( ).
ومع الرخصة لهن في النكاح والتوسع عليهم في أمره، فإن كثيرًا من الأيامى أنفن أن يتبدلن ببعولتهن زوجًا آخر، وفاءً لهم، وبقيًا على ذكراهم، بل أملاً أن تمتد الزوجية بينهم في الدار الآخرة.
فقد كان مما بشَّر به الإسلام المرأة الصالحة أن المؤمن إذا دخل الجنة ألحق به أزواجه. قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [الرعد: 23]، فيجمعهم الله في الجنات منعمين، يتكئون في ظلالها مسرورين فرحين، {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يـس:56]، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70].
وكان من آيات وفاء كثير من الصالحات لأزواجهن بعد موتهن إمساكهن عن الزواج، لا لغرض إلا ليكن زوجاتٍ لهن في الجنة.
فعن ميمون بن مهران قال: خطب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أم الدرداء، فأبت أن تزوجه، وقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله : "المرأة في آخر أزواجها" أو قال: "لآخر أزواجها"( ).
وعن عكرمة: أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوام، وكان شديدًا عليها، فأتت أباها، فشكت ذلك إليه، فقال: "يا بنية اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها، فلم تزوج بعده جُمع بينهما في الجنة"( ).
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال لزوجته: "إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا"( ).
وعن جبير بن نفير عن أم الدرداء، أنها قالت لأبي الدرداء: "إنك خطبتني إلى أبويَّ في الدنيا، فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة"، قال: "فلا تنكحين بعدي" فخطبها معاوية، فأخبرته بالذي كان، فقال: "عليك بالصيام"( ).
وقال الأصمعي: خرج سليمان بن عبد الملك، ومعه سليمان بن المهلب بن أبي صفرة من دمشق متنزهين، فمر بالجبانة، وإذا امرأة جالسة على قبر تبكي، فهبت الريح، فرفعت البرقع عن وجهها، فكأنها عمامة جَلَت شمسًا، فوفقنا متعجبين، ننظر إليها، فقال لها ابن المهلب: "يا أمة الله، هل لك في أمير المؤمنين بعلاً؟" فنظرت إليهما، ثم نظرت إلى القبر، وقالت:
فإن تسألاني عن هواي، فإنه
وإني لأستحييه والتَّرْبُ بيننا
فانصرفنا ونحن متعجبون( ).
وأخيرًا: هذا مثل للزوجة المسلمة الفاضلة ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها:
إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان كان لأبيها ـ يوم تزوجت ـ السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقريم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقًا، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غربًا، ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز.
بنت الخليفة، والخليفة جَدُّها
أخت الخلائف، والخليفة زوجها( )
وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة، وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات، ويقال إن من هذه الحلي قرطي مارية( ) اللذين اشتهرا في التاريخ، وتغنى بهما الشعراء، وكانا وحدهما يساويان كنزًا.
ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلو عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وكل ساعة بأدسم المأكولات وأندرها وأغلاها، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر، لاستطاعت ذلك... إلا أن الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز اختار ـ في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض ـ أن تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم( )، ورضيت بذلك زوجة الخليفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء، فكانت مغتبطة بذلك لأنها تذوقت لذة القناعة، وتمتعت بحلاوة الاعتدال، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف، بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة، فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها، مما لا يسمن، ولا يغني من جوع، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله، فاستجابت له، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآلئ والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين.
وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئًا، فجاءها أمين بيت المال، وقال لها: إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي، وإني اعتبرتها أمانة لك، وحفظتها لذلك اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها، فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين، ثم قالت: "وما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا".
وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة، في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات، وبذلك كتب الله لها الخلود، وها نحن نتحدث عن شرف معدنها ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور، رحمها الله، وأعلى مقامها في جنات النعيم( ).
8ـ عدم التسخط على الزوج أو بُغضه بسبب التعدد:
من مظاهر غربة الدين أن يُنال ممن يلتزم برضا الله تعالى بالتزام شرعه وعدم تعدي حدوده، فيسخر الناس منه، ويطعنون فيه، ويسيئون الظن به، ويلمزونه، ويغتابونه، ويتهمونه بتهم باطلة هو منها براء.
وكثير من النساء إذا تزوج عليها زوجها، وقفت منه موقفًا مخالفًا للشريعة وأقامت عليه الدنيا، وأزَّت عليه شياطين الإنس والجن لعله يتراجع، أو يعدل عما قام به.
أما المسلمة التقية ـ حتى وإن كانت لا تتمنى لزوجها أن يتزوج عليها ـ فهي تتقي الله تعالى في زوجها، ولا تعصِ الله فيه بسبب التعدد، ويبقى في نهاية الأمر موقفها شامخًا يدل على تقواها لله تعالى، وأهم مظاهر ذلك:
1ـ التسليم التام لحكم الله تعالى، انطلاقًا من قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].
2ـ التحقيق العملي للإيمان بالقضاء والقدر، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، انطلاقًا من قوله : "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة"( ).
فلماذا لا نسمع منك أيتها المقصرة: "قدر الله وما شاء فعل"؟!
لماذا لا نرى أثر الإيمان بعقيدة القضاء والقدر على سلوكك وموقفك مع زوجك؟!
لماذا لا نرى الرضا والتسليم بما قدره الله لك؟!
إن التسخط وعدم الرضا بقضاء الله وقدره لا طائل من ورائه إلا الإثم الذي سيسطر في كتاب أعمالك، فالقضاء مفروغ منه، والقدر واقع، والأقلام قد جفت، والصحف قد طويت، فلماذا لا تستقبلين قدر الله بنفس إيمانية راضية يغمرها حب الله وحده؟!
3ـ جددي إيمانك بالله، وخذي بكل وسيلة تثبتك على الطريق وتزيد من إيمانك بالله تعالى.
رافقي النساء الصالحات، فهن خير معينٍ لك على الطريق.
أعزي دين الله بالقول والعمل يُعزك الله تعالى.
التعدد في أيام الغربة هذه جهاد للنساء الصالحات، فاحذري أن ترسبي في الاختبار.
جردي نفسك من الهوى والتعصب إلا للإسلام.
4ـ احذري تبني الأفكار المغلوطة والآراء الأفينة التي يحاول نشرها العلمانيون وأعداء الدين حول قضية تعدد الزوجات، فتصبحي بوقًا لهم لنشر أفكارهم الباطلة وأنت لا تبالين.
5ـ الزمي طريق العدل دائمًا في القول والعمل انطلاقًا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]، ويقوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]. فاحذري أن تنالي من زوجك بالطعن أو الكذب أو الهوى، لا لشيء إلا لأنه تزوج عليك ما دام الرجل عادلاً يتقي الله تعالى في أهله جميعًا.
وتذكري له حسناته وحسن عشرته، ولا تنظري بمنظار أسود فتظهر كل تصرفاته وأقواله أمامك سيئة فتبغضيه.
6ـ طهِّري نفسك من آفاتها وأمراضها؛ من الغل أو الحقد، أو الرغبة في الانتقام، واعلمي أن النجاة يوم القيامة لمن يأتي الله تعالى بقلب سليم.
وقد سئل رسول الله : أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد"( ).
7ـ لا تحزني وإلا فما جدوى الحزن في النهاية؟!
قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
فما أدراك؛ لعل في هذا التعدد خير لك في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنت لا تعلمين، وإلا فلن تصبري على أي بلاء يختبرك الله به، لو كان هذا هو الأصل في سلوكك وتصرفك، وهو الحزن والهم والغم، وكأن العالم قد انتهى.
8ـ احذري بعد التعدد أن تتغير معاملتك لزوجك، فلا تعظمي له حقًا ولا تحرصي على مرضاته كما كنت تفعلين قبل التعدد، وإلا فأين أنت منه "فإنما هو جنتك ونارك".
وتذكري دائمًا قوله : "والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه"( ).
وهذه بعض النماذج المشرفة نهديها إلى أصحاب القلوب الحاقدة أو الضعيفة، حتى يتسنى لهم رؤية الواقع الجميل للإسلام عندما يلتزم أهله به حقًا:
أ ـ ذكرت جريدة الأخبار القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 22/12/1417هـ ـ الموافق 29/4/1997م خبرًا بعنوان "قرعة بين ضرتين" هذا نصه:
اضطر مسئولون سعوديون لإجراء قرعة بين زوجتين لأحد المرضى بالفشل الكلوي بعد أن أصرت كل منهما على التبرع له بإحدى كليتيهما، وذكرت صحيفة "عرب نيوز" السعودية التي تصدر بالإنكليزية أن السباق بين الزوجتين كان محمومًا، وأنه على الرغم من فوز الزوجة الثانية بالقرعة إلا أن الزوجة الأولى أصرَّت على أنها هي صاحبة الحق في التبرع لزوجها بالكلية.
ب ـ أرسلت الزوجة الأولى للزوجة الثانية بطاقة تهنئة ليلة بناء زوجها بها قالت لها فيها:
أختي الحبيبة/...
سلام الله عليك ورحمته وبركاته.
لا يسعني في هذه المناسبة السعيدة إلا أن أقول لك دعاء النبي : بارك الله لك، وبارك عليك وجمع بينكما في خير.
وأدعو الله عز وجل أن يكتب لك السعادة والهناء والتوفيق في حياتك الزوجية الجديدة، كما أدعوه سبحانه أن نظل أختين متحابتين في الله، متعاونتين على طاعته حتى نعطي المثل الأعلى والقدوة الصالحة لأخواتنا المسلمات المرعوبات من تعدد الزوجات، واعلمي يا (...) أني قد رشحتك زوجة لشيخنا الفاضل ـ حفظه الله ـ لما لمست فيك من صفات حميدة، وأخلاق عالية والتزام طيب ـ ولا أزكي على الله أحدًا ـ وأنك سوف تكونين له نعم الزوجة التي تتفانى في خدمة زوجها وإسعاده، وسوف تجدينه إن شاء الله نعم الزوج لك.
فلنحافظ سويًا على هذه النعمة التي منَّ الله علينا بها، ونشكره دائمًا عليها.
وأسأل الله أن يجمعنا دائمًا على خير، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختك أم(....)
جـ ـ الزوجة الأولى تدعو الله عز وجل وتتضرع إليه فتقول:
اللهم اكتب لزوجي السعادة مع زوجتيه الأولى والثانية، واكتب له السعادة في الدارين الأولى والآخرة.
اللهم انزع من قلبي الغيرة، واملأ قلبي بالحب وحب الخير لزوجي ولزوجته الثانية.
د ـ تقول غالية الجحدري:
أقول وبالله التوفيق: إنني الزوجة الثانية لزوجي، ولقد ـ والله ـ خطبت لزوجي المرأة الثالثة برضى من نفسي ولا أدعي أن الأمر عادي، بل إن الغيرة ما زالت موجودة إلا أنه استشعار لهذا الخطر الداهم وإيمان مني بأن المصلحة كل المصلحة فيما اختاره الله لنا، وأنا مستعدة لإثبات ذلك. ولقد رفضت هذه المرأة الثالثة للأسف الموافقة.
وهاأنذا أقول من أرادت أن تتأكد من كلامي وهي امرأة صالحة بإمكاني أن أخطبها له شريطة أن يوافق هو على شخصيتها.
هـ ـ وهذه أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها لما مرضت قبل وفاتها، راحت تدعو أمهات المؤمنين ومنهم عائشة رضي الله عنها وتقول لها: قد كان يا عائشة ما بيننا وبين الضرائر فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك.
فقالت عائشة: غفر الله لك ذلك كله، وتجاوز، وحلَّلَت من ذلك.
فقال: سرتني سرَّك الله.
وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك.
أليس في هذه الصورة المشرقة المثل والقدوة لكل مسلمة كانت زوجة أولى أو ثانية.
فإحدى الزوجات تدعو لنفسها وللزوجة الأخرى بالمغفرة ما كان منهن بسبب الغيرة، فما كان من الزوجة الأخرى إلا ودعت لها أيضًا بالمغفرة وأن يتجاوز الله عنها حتى سُرَّت أم حبيبة بذلك، ثم دعت لها أن يسرَّها الله تعالى كما سرتها.
هذه هي القلوب المطمئنة، الزاهدة في الدنيا، المتوكلة على الله حق توكله، الراضية بما قسم الله لها.
فأين هذه القلوب من القلوب الممتلئة بالشحناء والبغضاء والحقد والضغينة، التي لا تصفح ولا تعفو ولا تدعو إلا على ضرتها. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
و ـ لا تشعر الأخت أم حسَّان بأية غيرة من ضرتها وتعتبرها أختها، وتنظر إليها نظرة احترام وتقدير... كيف وهي التي اختارتها زوجة لزوجها بعد عدة سنوات من الزواج وعدم الإنجاب، ولكن إرادة الله فوق كل شيء فقد حصل الحمل للزوجتين في أوقات متقاربة، وكأنه بركة التعدد وتعظيم شريعة الله تعالى هي التي جاءت بالخير، ولم لا والله تعالى يعطي عباده المتقين ما يحبون.
وتمضي أم حسان قائلة: أبنائي وأبناؤها لا يشعرون بأي تفرقة بينهما، فالأمور تسير على خير ما يرام، وزوجي الذي استطاع أن يسير بسفينة الحياة الزوجية إلى بر الأمان يستحق كل تقدير واحترام، فأسباب نشوء الغيرة تعود للزوج وأساليبه في التعامل.
وتقول الزوجة الثانية:
بعد الزواج كانت لي رغبة في التعرف على الزوجة الأولى، وافق زوجي وأخبرها بذلك، جاء اللقاء الذي اتسم بالهدوء واللطف، ومع مرور الأيام ازدادت معرفتنا بعضنا ببعض، وأصبح بيننا توافقًا واضحًا، ولم نشعر يومًا بحقد أو اختلاف، وبهذه الطريقة تملكتنا الفرحة والبهجة النابعة من النفوس الصافية والقلوب المطمئنة التي لا تغزوها الكراهية ولا تقترب منها، فمن كان مع الله كان الله معه.
وتضيف: ما هذا الوفاق ـ بعد فضل الله تعالى ـ إلا بفعل العدل الذي أمر الله به وعمل به زوجنا، وهذا التصرف الحسن ضاعف مكانته في قلوبنا.
ز ـ التقت جريدة "الصباحية" بالعروسين "روضة وهنية" وتحدثتا معًا عن حياتهم الجديدة قالتا:
إن الصداقة تربط بينهما، وإنهما يخرجان معًا للتسوق، وينامان معًا في غرفة واحدة بعد أن التحق عريسهما المشترك "أمين" بالقوات المسلحة.
وبعد مضي أكثر من أسبوعين على هذا الزواج التق "الصباحية" بوالد العريس حيث يقيم "العروسان الجدد" وأبلغا والد العريس "الصباحية" أن العريس ذهب بعد مضي أربعة عشر يومًا على زفافه والتحق بالخدمة الإلزامية بالجيش حيث ما زال أمامه أربعة عشر شهرًا لإتمامها، وقد بدت روضة وهنية "العروسان" والموجودتان في بيت والد الزوج كأختين أكثر منهما "ضرتين"، ويظهر أن هناك علاقة حب وتفاهم بينهما ولا يوجد حتى أي نوع من الجفاء، بل كانتا متفاهمتين بحماسة وكل منهما تستشير الأخرى قبل أي إجابة على أسئلة "الصباحية".
تقول هنية: إن زواجها من أمين أُجل ليلة واحدة، وأنها أمضت تلك الليلة في بيت والدها.
سألناها: كيف تقرر أن تكون هي الثانية؟
وأجابت ببساطة: أنه حسب ترتيب كَتب الكتاب، فقد تقرر حينئذٍ أنها الزوجة الثانية، بينما تكون "روضة" الزوجة الأولى بالرغم أن عقد القران للاثنتين تم في نفس اللحظة.
وتقول روضة: نحن حقًا صديقتان، ونستغرب لدهشة الناس من ذلك؛ ففي الأمس عندما غادرنا أمين إلى خدمته في الجيش بتنا ـ أنا وهنية ـ في غرفة واحدة، وذهبنا بعد الظهر للتسوق معًا، كما أننا خلال الأسبوع الماضي خرجنا مع أمين للتنزه معًا، والآن هو غير موجود بيننا ومع ذلك فنحن لا نفترق، فنحن صديقتان وبنتا عمومة قبل أن نكون زوجتي أمين.
وتقول روضة: إن أهم شيء هو العدل، وأمين يعدل بيننا تمامًا، فلكل منا غُرفة مستقلة في البيت ومهرنا وتكاليف زواجنا أنا وهنية كانتا متساوية تمامًا، وما دام الزوج عادلاً، فلا يوجد أي داعٍ لأية خلافات أو مشكلات( ).
ز ـ وهذه رسالة أرسلتها زوجة ثانية إلى ضرتها ـ الزوجة الأولى ـ تحت عنوان: "دعيني أقترب منك"( ):
عزيزتي حُصة...
منذ أن دخلت حياة زوجك ـ كزوجة ثانية ـ وأنا أشعر أني ثقيلة عليك، تختلسين النظر إليّ، فإذا ما لهوت عنك حدَّقت في وجهي وأطلت النظر إليّ، أشعر بالكآبة وخيبة الأمل تكسوان مُحياك كلما وقعت عيناك عليّ... كلما حاولت الاتصال بك وإثارة أي حديث معك لمجرد الحديث، يُدفن الموضوع في مهده بإجابة مقتضبة منك.
أعرف أنك امرأة صالحة، ولا تحملين حقدًا عليّ، لكنك ضائقة ذرعًا بي، كأن لسان حالك يقول: أنت غريبة عن حياتي... ولا أرغب في وجودك.
حُصة، إن سعادتي في حياتي الزوجية ستكتمل إذا شعرتُ أنك سعيدة تبادلينني ابتسامات صادقة وتتجاذبين معي أطراف الحديث، وتساعدينني في أن نكون صديقتين، يا ليتنا يا حصة نكون صديقتين... بل أختين... ما الذي يمنع؟
إن زوجي وزوجك رجل عظيم، ذو خلق جم، وأدب رفيع، ويحاول أن يعدل بيننا، ويكن لك خالص الحب ولا يذكرك إلا بخير، ويعتز بأنك شريكة حياته، ولأن زوجنا يمتاز بهذه الصفات فإننا يمكن أن نقتسمه.. إنه كل قسم منه هو رجل كامل الصفات بذاته لما يتميز به من كريم الأخلاق وجليل الخصال.
حُصّة، لم أكن أخطط أن أتزوج من رجل متزوج، ولكن نصيبي، وقد شعرت بعد إتمام الزواج أني سعيدة، ويمكن أن أُسهم في بناء عُش زوجي هانئ ومستقر.
حُصة.. دعينا نحاول أن نجعل حياتنا مع زوجنا هانئة مثمرة، دعينا نخفف من مشاعر الغيرة التي تنتابنا... دعينا نحب بعضنا، ونعلم أبنائي وأبناءك الحب والتعاون.
وأقوال مشرفة أيضًا
إن كان هناك جمهرة كبيرة من النساء في أنفسهن شيء من التعدد يصرحن به أو يلمحن به كما ذكرنا، إلا أنه في المقابل توجد مجموعة من النساء توافق عليه ـ وإن كن قلة ـ لكن لن نعدم الخير في أمتنا أبدًا.
فهذه تقول: أوافق في حالة وجود العدل، ومسكن مستقل لكل زوجة.
وأخرى تقول: أوافق على المبدأ بدون أية تحفظات.
وأخرى تقول: أوافق إذا كانت الزوجة الثانية على قدر كبير من الالتزام حتى نتآخى في الله.
وأخرى تقول: أوافق بدون أي اعتراضات، خاصة إذا كانت الزوجة الثانية لها ظروف إنسانية؛ مثل أن تكون أرملة أو مطلقة.
وتقول طالبة جامعية: إنه لابد أن يربى الجيل الجديد من الأخوات المسلمات على تقبل هذا الأمر، وأنه لا غضاضة فيه؛ وذلك لأننا للأسف نشأنا في مجتمع ينفر من هذه الشعيرة، ويعتبره حالة خاصة وليس أمرًا عاديًا.
وهذا آخر ما تم جمعه، وصلى الله على سيدنا محمد