تحت عنوان "حوار بين الثقافة والطائرة المقاتلة" نشرت صحيفة "إيزفيستيا" مقالا للصحفي فلاديمير مامونتوف عن الأوضاع في الشرق الأوسط جاء فيه أن أحداث ليبيا ( بعد الأحداث لتي شهدتها صربيا والعراق وأفغانستان، وما تشهده سوريا واليمن وغيرهما..) دفعت جميع الناس المفكرين نحو تساؤل ذهني بسيط وملح ، هو : "ماذا يوجد في هذا العالم سوى الأموال الضخمة والمصالح النفطية والصراع على السلطة؟ ". يقول كاتب المقال: "كان يفترض حتى اليوم أن عملية العولمة تقتضي حوارا بين الثقافات، ولكنني لا أعرف كيف يمكن الوصول إلى الحوار بين الثقافات تحت دوي الضربات الجوية. إن النظام في ليبيا نظام قبلي حقا، ولكن ما الذي يميز العلاقات بين شركات القطاع النفطي عنه؟ فعلا ثمة من يقول لنا إن حكام هذا البلد يملكون حسابات في المصارف الغربية، ولكن هذا القول يؤكد مرة أخرى أن تلك الأوساط تحملت القذافي، وشجعته، وحاورته. منذ قرون عديدة لم يتغير شيء في حوار الثقافات هذا، فأولئك الذين يضعون المعايير الرائعة يتصرفون بطريقة لا تتيح للآخرين الانضواء تحت هذه المعايير، ومن ثم يقومون بنهب هؤلاء الآخرين. وفي الآونة الأخيرة يتعاظم الدور الشرير الذي تلعبه وسائل الإعلام الجماهيري في هذه "الحوارات"، فهي ترسم صورة بعيدة كل البعد عن الواقع، وتشن حربا إعلامية، إي أنها تكذب، لصالح جهة واحدة يفترض أن تنتصر لهذه الأسباب أو تلك في ذهن الرأي العام أولا. ومن مثال ليبيا نرى أن عمليات القصف المختلقة لمدينة بنغازي كانت ذريعة للقيام بعمليات فعلية للقصف والهجوم من الجو. ويضيف كاتب المقال أن القوى ليست متعادلة، ومع ذلك فإن القضية تكمن في أمر آخر. لقد خسر القذافي في الحرب الإعلامية بالدرجة الأولى، إذ لم يستطع أن يثبت أي شيء للمجتمع العالمي الذي تقوم وسائل إعلامه على نحو بارع ومنافق بالدعوة للنضال ضد الدكتاتورية والدفاع عن الديمقراطية. وفي جوهر الأمر نرى بأم أعيننا "إحياء العدالة التاريخية" كما يفهمها آباء الحضارة الغربية. يرى هؤلاء أن الثروات الطبيعية لا يجب أن تكون في أيدي الهمجيين، بل في أيدي المتحضرين الذي يتقنون بفضل وسائل الإعلام إخفاء أكلهم لحوم البشر. إن العالم الغربي الذي أخرج إلى النور ملايين الروائع الأدبية والفنية يتصرف كأفظع قطاع الطرق. ورب من يقول لي "إننا في روسيا نملك الكثير من الموارد الطبيعية، فلنكف عن العيش كمتوحشين، وعندئذ لن يؤذينا أحد، فنحن ضمن الحضارة الغربية"! أحقا أن الأمر كذلك؟ لماذا لا أريد أن أصدق ذلك؟ لماذا أتقبل الغرب عندما استمع لموسيقى بيتهوفن واقرأ سالينجر واضحك حتى تطفر الدموع من عيني مع الممثل ودي آلان ، وأشرب "آبيرلور" وأتناول "ريزوتو" ، ولكنني اتمنى للغرب صادقا أن يختنق وهو يتلذذ بمضغ الذين يخالفونه طريقة العيش؟. ثمة في داخلي شيء ما يقاوم بلا وعي. في بلادي أناس براغماتيون يدعون إلى الخضوع للقوة، فالسيادة وعدم التدخل "موضة" قديمة، وأمور فات زمنها من الناحية المعنوية كما يقول لي "العالم المتحضر". ولكنني اشعر أن هذا العالم يكذب. إنه يكذب بوقاحة ، دون أن يخلع القفاز الحريري الذي لا تشوبه شائب، ودون أن يتوقف عن صنع الطائرات المقاتلة من الجيل الخامس، والسادس ... والثامن عشر. غير أنني، ولكي أصدق العالم المتألق، جديد الطراز، يجب أن أحصل على أية براهين مفهومة تثبت حسن صنيعه. ولكن أحداث ليبيا لا تقدم برهانا مقنعا في هذا المجال.