موقع نعمان الشماري
سورة    الشوري 2 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
سنتشرف بتسجيلك
شكرا سورة    الشوري 2 829894
ادارة المنتدي سورة    الشوري 2 103798
موقع نعمان الشماري
سورة    الشوري 2 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
سنتشرف بتسجيلك
شكرا سورة    الشوري 2 829894
ادارة المنتدي سورة    الشوري 2 103798
موقع نعمان الشماري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع نعمان الشماري

منتدى الشماري ثقافي رياضي شبابي تواصل معرفه ابداع شباب الشميره -ماوية
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورفضلا سجل معناالتسجيلدخولان كنت مسجل تفضل -الدخول
الثريا للالكترونيات الضالع دمت الشارع العام جوار سوماركت العاصمه الثر يا شارع عامر امام فندق الغوزي الشماري للالكترونيات والاجهزه المنزليه الشارع العام امام فرزة يريم الثريا جوده عاليه وضمان اكيد
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
السميرة السيل نزول
سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالأحد سبتمبر 19, 2010 11:24 am من طرف محمد الجرباني
[سورة    الشوري 2 Ouuoo_12

تعاليق: 0
الثريا فون
سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالسبت يناير 09, 2010 11:33 am من طرف ابو رشيد
]]سورة    الشوري 2 Ouoous13[/url][/url]

تعاليق: 1
المعرض
سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالجمعة فبراير 05, 2010 9:38 am من طرف ابو رشيد
سورة    الشوري 2 Ouoous10

تعاليق: 1
رويال
سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالخميس يوليو 01, 2010 12:40 pm من طرف ابو رشيد
سورة    الشوري 2 Img00112

تعاليق: 0
اجهزه رويال
سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالجمعة فبراير 05, 2010 9:28 am من طرف ابو رشيد
سورة    الشوري 2 Img00111

تعاليق: 0
الشماري
سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالثلاثاء يناير 26, 2010 9:53 am من طرف ابو رشيد
سورة    الشوري 2 Ouoo212

تعاليق: 0
الثريا نسهل لك عناء الاختيار
سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالثلاثاء يناير 26, 2010 9:34 am من طرف ابو رشيد
[سورة    الشوري 2 Ouuoo_11

تعاليق: 2
الشميره فيديو
سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالأربعاء يناير 20, 2010 11:13 am من طرف ابو رشيد
[

تعاليق: 0

 

 سورة الشوري 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو رشيد
Admin



عدد المساهمات : 404
تاريخ التسجيل : 09/01/2010
العمر : 52
الموقع : موقع نعمان الشماري

سورة    الشوري 2 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الشوري 2   سورة    الشوري 2 Icon_minitimeالخميس سبتمبر 23, 2010 2:48 am

وفي الصفحة الأخرى نجد المؤمنين الذين كانوا يشفقون من هذا اليوم ويخافون . نجدهم في أمن وعافية ورخاء:
والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات , لهم ما يشاءون عند ربهم . ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات . .
والتعبير كله رُخاء يرسم ظلال الرخاء: (في روضات الجنات). . (لهم ما يشاءون عند ربهم)بلا حدود ولا قيود . (ذلك هو الفضل الكبير). . (ذلك الذي يبشر الله عباده)فهو بشرى حاضرة , مصداقاً للبشرى السالفة . وظل البشرى هنا هو أنسب الظلال .
وعلى مشهد هذا النعيم الرخاء الجميل الظليل يلقن الرسول [ ص ] أن يقول لهم:إنه لا يطلب منهم أجراً على الهدى الذي ينتهي بهم إلى هذا النعيم , وينأى بهم عن ذلك العذاب الأليم . إنما هي مودته لهم لقرابتهم منه , وحسبه ذلك أجراً:
(قل:لا أسألكم عليه أجرا . إلا المودة في القربى . ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا . إن الله غفور شكور). .
والمعنى الذي أشرت إليه , وهو أنه لا يطلب منهم أجرا , إنما تدفعه المودة للقربى - وقد كانت لرسول الله [ ص ] قرابة بكل بطن من بطون قريش - ليحاول هدايتهم بما معه من الهدى , ويحقق الخير لهم إرضاء لتلك المودة التي يحملها لهم , وهذا أجره وكفى !
هذا المعنى هو الذي انقدح في نفسي وأنا أقرأ هذا التعبير القرآني في مواضعه التي جاء فيها . وهناك تفسير مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أثبته هنا لوروده في صحيح البخاري:
قال البخاري حدثنا محمد بن بشار , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن عبدالملك بن ميسرة , قال:


ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
سمعت طاووسا يحدث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سأل عن قوله تعالى: (إلا المودة في القربى)فقال سعيد بن جبير:" قربى آل محمد . فقال ابن عباس:عجلت . إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة . فقال:" إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة " .
ويكون المعنى على هذا:إلا أن تكفوا أذاكم مراعاة للقرابة . وتسمعوا وتلينوا لما أهديكم إليه . فيكون هذا هو الأجر الذي أطلبه منكم لا سواه .
وتأويل ابن عباس - رضي الله عنهما - أقرب من تأويل سعيد بن جبير - رضي الله عنه - ولكنني ما أزال أحس أن ذلك المعنى أقرب وأندى . . والله أعلم بمراده منا .
وعلى أية حال فهو يذكرهم - أمام مشهد الروضات والبشريات - أنه لا يسألهم على شيء من هذا أجراً . ودون هذا بمراحل يطلب عليه الأدلاء أجرا ضخماً ! ولكنه فضل الله الذي لا يحاسب العباد حساب التجارة , ولا حساب العدل , ولكن حساب السماحة وحساب الفضل:
(ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا). .
فليس هو مجرد عدم تناول الأجر . بل إنها الزيادة والفضل . . ثم هي بعد هذا كله المغفرة والشكر:
(إن الله غفور شكور). .
الله يغفر . ثم . . الله يشكر ويشكر من ? يشكر لعباده . وهو وهبهم التوفيق على الإحسان . ثم هو يزيد لهم في الحسنات , ويغفر لهم السيئات . ويشكر لهم بعد هذا وذاك . . فيا للفيض الذي يعجز الإنسان عن متابعته . فضلاً على شكره وتوفيته !
الدرس السابع:24 رد اعتراضات الكفار على القرآن وإثبات أنه كلام الله
ثم يعود إلى الحديث عن تلك الحقيقة الأولى:
(أم يقولون:افترى على الله كذبا ? فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل , ويحق الحق بكلماته , إنه عليم بذات الصدور).
هنا يأتي على الشبهة الأخيرة , التي قد يعللون بها موقفهم من ذلك الوحي , الذي تحدث عن مصدره وعن طبيعته وعن غايته في الجولات الماضية:
(أم يقولون:افترى على الله كذبا ?). .
فهم من ثم لا يصدقونه , لأنهم يزعمون أنه لم يوح إليه , ولم يأته شيء من الله ?
ولكن هذا قول مردود . فما كان الله ليدع أحدا يدعي أن الله أوحى إليه , وهو لم يوح إليه شيئاً , وهو قادر على أن يختم على قلبه , فلا ينطق بقرآن كهذا . وأن يكشف الباطل الذي جاء به ويمحوه . وأن يظهر الحق من ورائه ويثبته:
(فإن يشأ الله يختم على قلبك , ويمح الله الباطل , ويحق الحق بكلماته)
وما كان ليخفى عليه ما يدور في خلد محمد [ ص ] حتى قبل أن يقوله:
(إنه عليم بذات الصدور). .
فهي شبهة لا قوام لها . وزعم لا يقوم على أساس . ودعوى تخالف المعهود عن علم الله بالسرائر , وعن قدرته


وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)
على ما يريد , وعن سنته في إقرار الحق وإزهاق الباطل . . وإذن فهذا الوحي حق , وقول محمد صدق ; وليس التقول عليه إلا الباطل والظلم والضلال . . وبذلك ينتهي القول - مؤقتاً - في الوحي . ويأخذ بهم في جولة أخرى وراء هذا القرار .
الوحدة الثانية 25 - 53 الموضوع:دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق وإثبات مصدر القرآن الدرس الأول:25 - 27 دعوة العباد إلى التوبة والإزدياد من الإيمان والله الرازق
هذا القسم الثاني من السورة يمضي في الحديث عن دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق وعن آثار القدرة فيما يحيط بالناس , وفيما يتعلق مباشرة بحياتهم ومعاشهم , وفي صفة المؤمنين التي تميز جماعتهم . . وذلك بعد الحديث في القسم الأول عن الوحي والرسالة من جوانبها المتعددة . . ثم يعود في نهاية السورة إلى الحديث عن طبيعة الوحي وطريقته . وبين القسمين اتصال ظاهر , فهما طريقان إلى القلب البشري , يصلانه بالوحي والإيمان .
(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده , ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون . ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله , والكافرون لهم عذاب شديد . ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض .


وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
ولكن ينزل بقدر ما يشاء , إنه بعباده خبير بصير). .
تجيء هذه اللمسة بعد ما سبق من مشهد الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم , ومشهد الذين آمنوا في روضات الجنات . ونفي كل شبهة عن صدق رسول الله [ ص ] فيما بلغهم به عن الله . وتقرير علم الله بذوات الصدور .
تجيء لترغيب من يريد التوبة والرجوع عما هو فيه من ضلالة , قبل أن يقضى في الأمر القضاء الأخير . ويفتح لهم الباب على مصراعيه:فالله يقبل عنهم التوبة , ويعفو عن السيئات ; فلا داعي للقنوط واللجاج في المعصية , والخوف مما أسلفوا من ذنوب . والله يعلم ما يفعلون . فهو يعلم التوبة الصادقة ويقبلها . كما يعلم ما اسلفوا من السيئات ويغفرها .
وفي ثنايا هذه اللمسة يعود إلى جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين . فالذين آمنوا وعملوا الصالحات يستجيبون لدعوة ربهم , وهو يزيدهم من فضله . (والكافرون لهم عذاب شديد). . وباب التوبة مفتوح للنجاة من العذاب الشديد , وتلقي فضل الله لمن يستجيب .
وفضل الله في الآخرة بلا حساب وبلا حدود ولا قيود . فأما رزقه لعباده في الأرض فهو مقيد محدود ; لما يعلمه - سبحانه - من أن هؤلاء البشر لا يطيقون - في الأرض - أن يتفتح عليهم فيض الله غير المحدود:
(ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض , ولكن ينزل بقدر ما يشاء . إنه بعباده خبير بصير). .
وهذا يصور نزارة ما في هذه الحياة الدنيا من أرزاق - مهما كثرت - بالقياس إلى ما في الآخرة من فيض غزير . فالله يعلم أن عباده , هؤلاء البشر , لا يطيقون الغنى إلا بقدر , وأنه لو بسط لهم في الرزق - من نوع ما يبسط في الآخرة - لبغوا وطغوا . إنهم صغار لا يملكون التوازن . ضعاف لا يحتملون إلا إلى حد . والله بعباده خبير بصير . ومن ثم جعل رزقهم في هذه الأرض مقدراً محدوداً , بقدر ما يطيقون . واستبقى فيضه المبسوط لمن ينجحون في بلاء الأرض , ويجتازون امتحانها , ويصلون إلى الدار الباقية بسلام . ليتلقوا فيض الله المذخور لهم بلا حدود ولا قيود .
الدرس الثاني:28 الله ينزل الغيث وينشر رحمته
(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا , وينشر رحمته , وهو الولي الحميد). .
وهذه لمسة أخرى كذلك تذكرهم بجانب من فضل الله على عباده في الأرض . وقد غاب عنهم الغيث , وانقطع عنهم المطر , ووقفوا عاجزين عن سبب الحياة الأول . . الماء . . وأدركهم اليأس والقنوط . ثم ينزل الله الغيث , ويسعفهم بالمطر , وينشر رحمته , فتحيا الأرض , ويخضر اليابس , وينبت البذر , ويترعرع النبات , ويلطف الجو , وتنطلق الحياة , ويدب النشاط , وتنفرج الأسارير , وتتفتح القلوب , وينبض الأمل , ويفيض الرجاء . . وما بين القنوط والرحمة إلا لحظات . تتفتح فيها أبواب الرحمة , فتتفتح أبواب السماء بالماء . . (وهو الولي الحميد). . وهو النصير والكافل المحمود الذات والصفات . .
واللفظ القرآني المختار للمطر في هذه المناسبة . .(الغيث). . يلقي ظل الغوث والنجدة , وتلبية المضطر في الضيق والكربة . كما أن تعبيره عن آثار الغيث . . (وينشر رحمته). . يلقي ظلال النداوة والخضرة والرجاء والفرح , التي تنشأ فعلا عن تفتح النبات في الأرض وارتقاب الثمار . وما من مشهد يريح الحس والأعصاب ,


وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
ويندّي القلب المشاعر , كمشهد الغيث بعد الجفاف . وما من مشهد ينفض هموم القلب وتعب النفس كمشهد الأرض تتفتح بالنبت بعد الغيث , وتنتشي بالخضرة بعد الموات .
الدرس الثالث:29 - 31 من آيات الله الكونية والنفسية الدالة على الوحدانية
ومن آياته خلق السماوات والأرض , وما بث فيهما من دابة . وهو على جمعهم إذا يشاء قدير . وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم , ويعفو عن كثير . وما أنتم بمعجزين في الأرض , وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير . .
وهذه الآية الكونية معروضة على الأنظار , قائمة تشهد بذاتها على ما جاء الوحي ليشهد به , فارتابوا فيه واختلفوا في تأويله . وآية السماوات والأرض لا تحتمل جدلا ولا ريبة . فهي قاطعة في دلالتها , تخاطب الفطرة بلغتها , وما يجادل فيها مجادل وهو جاد . إنها تشهد بأن الذي أنشأها ودبرها ليس هو الإنسان , ولا غيره من خلق الله . ولا مفر من الاعتراف بمنشىء مدبر . فإن ضخامتها الهائلة , وتناسقها الدقيق , ونظامها الدائب , ووحدة نواميسها الثابتة . . كل أولئك لا يمكن تفسيره عقلاً إلا على أساس أن هناك إلهاً أنشأها ويدبرها . أما الفطرة فهي تتلقى منطق هذا الكون تلقياً مباشراً , وتدركه وتطمئن إليه , قبل ان تسمع عنه كلمة واحدة من خارجها !
وتنطوي آية السماوات والأرض على آية أخرى في ثناياها: (وما بث فيهما من دابة). . والحياة في هذه الأرض وحدها - ودع عنك ما في السماوات من حيوات أخرى لا ندركها - آية اخرى . وهي سر لم ينفذ إلى طبيعته أحد , فضلاً على التطلع إلى إنشائه . سر غامض لا يدري أحد من أين جاء , ولا كيف جاء , ولا كيف يتلبس بالأحياء ! وكل المحاولات التي بذلت للبحث عن مصدره أو طبيعته أغلقت دونها الستر والأبواب ; وانحصرت البحوث كلها في تطور الأحياء - بعد وجود الحياة - وتنوعها ووظائفها ; وفي هذا الحيز الضيق المنظور اختلفت الآراء والنظريات . فأما ما وراء الستر فبقي سراً خافياً لا تمتد إليه عين , ولا يصل إليه إدراك . . إنه من أمر الله . الذي لا يدركه سواه .
هذه الأحياء المبثوثة في كل مكان . فوق سطح الأرض وفي ثناياها . وفي أعماق البحر وفي أجواز الفضاء - ودع عنك تصور الأحياء الأخرى في السماء - هذه الأحياء المبثوثة التي لا يعلم الإنسان منها إلا النزر اليسير , ولا يدرك منها بوسائله المحدودة إلا القليل المشهور . هذه الأحياء التي تدب في السماوات والأرض يجمعها الله حين يشاء , لا يضل منها فرد واحد ولا يغيب !
وبنو الإنسان يعجزهم أن يجمعوا سربا من الطير الأليف ينفلت من أقفاصهم , أو سرباً من النحل يطير من خلية لهم !
وأسراب من الطير لا يعلم عددها إلا الله . وأسراب من النحل والنمل وأخواتها لا يحصيها إلا الله . وأسراب من الحشرات والهوام والجراثيم لا يعلم مواطنها إلا الله . وأسراب من الأسماك وحيوان البحر لا يطلع عليها إلا الله . وقطعان من الأنعام والوحش سائمة وشاردة في كل مكان . وقطعان من البشر مبثوثة في الأرض في كل مكان . . ومعها خلائق أربى عدداً وأخفى مكاناً في السماوات من خلق الله . . كلها . . كلها . . يجمعها الله حين يشاء . .
وليس بين بثها في السماوات والأرض وجمعها إلا كلمة تصدر . والتعبير يقابل بين مشهد البث ومشهد الجمع


وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ (35)
في لمحة على طريقة القرآن ; فيشهد القلب هذين المشهدين الهائلين قبل أن ينتهي اللسان من آية واحدة قصيرة من القرآن !
وفي ظل هذين المشهدين يحدثهم عما يصيبهم في هذه الحياة بما كسبت أيديهم . لا كله . فإن الله لا يؤاخذهم بكل ما يكسبون . ولكن يعفو منه عن كثير . ويصور لهم عجزهم ويذكرهم به , وهم قطاع صغير في عالم الأحياء الكبير:
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير).
وفي الآية الأولى يتجلى عدل الله , وتتجلى رحمته بهذا الإنسان الضعيف . فكل مصيبة تصيبه لها سبب مما كسبت يداه ; ولكن الله لا يؤاخذه بكل ما يقترف ; وهو يعلم ضعفه وما ركب في فطرته من دوافع تغلبه في أكثر الأحيان , فيعفو عن كثير , رحمة منه وسماحة .
وفي الآية الثانية يتجلى ضعف هذا الإنسان , فما هو بمعجز في الأرض , وما له من دون الله من ولي ولا نصير . فأين يذهب إلا أن يلتجىء إلى الولي والنصير ?
الدرس الرابع:32 - 35 آيات الله في البحار والسفن
(ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام . إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره . إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير . ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص). .
والسفن الجواري في البحر كالجبال آية أخرى من آيات الله . آية حاضرة مشهودة . آية تقوم على آيات كلها من صنع الله دون جدال . هذا البحر من أنشأه ? مَن مِن البشر أو غيرهم يدعي هذا الادعاء ? ومن أودعه خصائصه من كثافة وعمق وسعة حتى يحمل السفن الضخام ? وهذه السفن من أنشأ مادتها وأودعها خصائصها فجعلها تطفو على وجه الماء ? وهذه الريح التي تدفع ذلك النوع من السفن التي كانت معلومة وقتها للمخاطبين [ وغير الريح من القوى التي سخرت للإنسان في هذا الزمان من بخار أو ذرة أو ما يشاء الله بعد الآن ] من جعلها قوة في هذا الكون تحرك الجواري في البحر كالأعلام ? . .
(إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره). .
وإنها لتركد أحياناً فتهمد هذه الجواري وتركد كما لو كانت قد فارقتها الحياة !
(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). .
في إجرائهن وفي ركودهن على السواء آيات لكل صبار شكور . والصبر والشكر كثيراً ما يقترنان في القرآن . الصبر على الابتلاء والشكر على النعماء ; وهما قوام النفس المؤمنة في الضراء والسراء .
(أو يوبقهن بما كسبوا). .
فيحطمهن أو يغرقهن بما كسب الناس من ذنب ومعصية ومخالفة عن الإيمان الذي تدين به الخلائق كلها , فيما عدا بعض بني الإنسان !
(ويعف عن كثير). .
فلا يؤاخذ الناس بكل ما يصدر منهم من آثام , بل يسمح ويعفو ويتجاوز منها عن كثير .
(ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص). .


فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
لو شاء الله أن يقفهم أمام بأسه , ويوبق سفائنهم , وهم لا يملكون منها نجاة !
وهكذا يشعرهم بأن ما يملكون من أعراض هذه الحياة الدنيا , عرضة كله للذهاب . فلا ثبات ولا استقرار لشيء إلا الصلة الوثيقة بالله .
الدرس الخامس:36 - 43 ثواب الآخرة للمؤمنين وأهم صفاتهم
ثم يخطو بهم خطوة أخرى , وهو يلفتهم إلى أن كل ما أتوه في هذه الأرض متاع موقوت في هذه الحياة الدنيا . وأن القيمة الباقية هي التي يدخرها الله في الآخرة للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . ويستطرد فيحدد صفة المؤمنين هؤلاء , بما يميزهم , ويفردهم امة وحدهم ذات خصائص وسمات !
فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا , وما عند الله خير وابقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش , وإذا ما غضبوا هم يغفرون , والذين استجابوا لربهم , وأقاموا الصلاة , وأمرهم شورى بينهم , ومما رزقناهم ينفقون . والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون . وجزاء سيئة سيئة مثلها , فمن عفا وأصلح فأجره على الله , إنه لا يحب الظالمين . ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق , أولئك لهم عذاب أليم . ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور . .
لقد سبق في السورة أن صور القرآن حالة البشرية ; وهو يشير إلى أن الذين أوتوا الكتاب تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم العلم ; وكان تفرقهم بغيا بينهم لا جهلاً بما نزل الله لهم من الكتاب , وبما سن لهم من نهج ثابت مطرد من عهد نوح إلى عهد إبراهيم إلى عهد موسى إلى عهد عيسى - عليهم صلوات الله - وهو يشير كذلك إلى أن الذين أورثوا الكتاب بعد أولئك المختلفين , ليسوا على ثقة منه , بل هم في شك منه مريب .
وإذا كان هذا حال أهل الأديان المنزلة , وأتباع الرسل - صلوات الله عليهم - فحال أولئك الذين لا يتبعون رسولا ولا يؤمنون بكتاب أضل وأعمى .
ومن ثم كانت البشرية في حاجة إلى قيادة راشدة , تنقذها من تلك الجاهلية العمياء التي كانت تخوض فيها . وتأخذ بيدها إلى العروة الوثقى ; وتقود خطاها في الطريق الواصل إلى الله ربها ورب هذا الوجود جميعا .
ونزل الله الكتاب على عبده محمد [ ص ] قرآناً عربياً , لينذر أم القرى ومن حولها ; وشرع فيه ما وصى به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى , ليصل بين حلقات الدعوة منذ فجر التاريخ , ويوحد نهجها وطريقها وغايتها ; ويقيم بها الجماعة المسلمة التي تهيمن وتقود ; وتحقق في الأرض وجود هذه الدعوة كما أرادها الله , وفي الصورة التي يرتضيها .
وهنا في هذه الآيات يصور خصائص هذه الجماعة التي تطبعها وتميزها . ومع أن هذه الآيات مكية , نزلت قبل قيام الدولة المسلمة في المدينة , فإننا نجد فيها أن من صفة هذه الجماعة المسلمة: (وأمرهم شورى بينهم). . مما يوحي بأن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن تكون نظاماً سياسياً للدولة , فهو طابع اساسي للجماعة كلها , يقوم عليه أمرها كجماعة , ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة , بوصفها إفرازاً طبيعياً للجماعة . كذلك نجد من صفة هذه الجماعة:(والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون). . مع أن الأمر الذي كان صادراً للمسلمين في مكة هو أن يصبروا وألا يردوا العدوان بالعدوان ; إلى أن صدر لهم أمر آخر بعد الهجرة وأذن لهم في القتال . وقيل لهم:(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير). وذكر هذه الصفةهنا في آيات مكية بصدد تصوير طابع الجماعة المسلمة يوحي بأن صفة الانتصار من البغي صفة أساسية ثابتة ; وأن الأمر الأول بالكف والصبر كان أمراً استثنائياً لظروف معينة . وأنه لما كان المقام هنا مقام عرض الصفات الأساسية للجماعة المسلمة ذكر منها هذه الصفة الأساسية الثابتة , ولو أن الآيات مكية , ولم يكن قد أذن لهم بعد في الانتصار من العدوان .
وذكر هذه الصفات المميزة لطابع الجماعة المسلمة , المختارة لقيادة البشرية وإخراجها من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام . ذكرها في سورة مكية وقبل أن تكون القيادة العملية في يدها فعلا , جدير بالتأمل . فهي الصفات التي يجب ان تقوم أولا , وأن تتحقق في الجماعة لكي تصبح بها صالحة للقيادة العملية . ومن ثم ينبغي أن نتدبرها طويلا . . ما هي ? ما حقيقتها ? وما قيمتها في حياة البشرية جميعاً ?
إنها الإيمان . والتوكل . واجتناب كبائر الإثم والفواحش . والمغفرة عند الغضب . والاستجابة لله . وإقامة الصلاة . والشورى الشاملة . والإنفاق مما رزق الله . والانتصار من البغي . والعفو . والإصلاح . والصبر .
فما حقيقة هذه الصفات وما قيمتها ? يحسن أن نبين هذا ونحن نستعرض الصفات في نسقها القرآني .
إنه يقف الناس أمام الميزان الإلهي الثابت لحقيقة القيم . والقيم الزائلة القيم الباقية ; كي لا يختلط الأمر في نفوسهم , فيختل كل شيء في تقديرهم . ويجعل هذا الميزان مقدمة لبيان صفة الجماعة المسلمة:
(فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا , وما عند الله خير وأبقى). .
إن في هذه الأرض متاعاً جذاباً براقاً , وهناك أرزاق وأولاد وشهوات ولذائذ وجاه وسلطان ; وهناك نعم آتاها الله لعباده في الأرض تلطفا منه وهبة خالصة , لا يعلقها بمعصية ولا طاعة في هذه الحياة الدنيا . وإن كان يبارك للطائع - ولو في القليل - ويمحق البركة من العاصي ولو كان في يده الكثير .
ولكن هذا كله ليس قيمة ثابتة باقية . إنما هو متاع . متاع محدود الأجل . لا يرفع ولا يخفض , ولا يعد بذاته دليل كرامة عند الله أو مهانة ; ولا يعتبر بذاته علامة رضى من الله أو غضب . إنما هو متاع . (وما عند الله خير وأبقى). . خير في ذاته . وأبقى في مدته . فمتاع الحياة الدنيا زهيد حين يقاس إلى ما عند الله , ومحدود حين يقاس إلى الفيض المنساب . ومتاع الحياة الدنيا معدود الأيام . أقصى أمده للفرد عمر الفرد , وأقصى أمده للبشرية عمر هذه البشرية ; وهو بالقياس إلى أيام الله ومضة عين أو تكاد .
وبعد تقرير هذه الحقيقة يأخذ في بيان صفة المؤمنين الذين يذخر الله لهم ما هو خير وأبقى . .
ويبدأ بصفة الإيمان: (وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا). . وقيمة الإيمان أنه معرفة بالحقيقة الأولى التي لا تقوم في النفس البشرية معرفة صحيحة لشيء في هذا الوجود إلا عن طريقها . فمن طريق الإيمان بالله ينشأ إدراك لحقيقة هذا الوجود , وأنه من صنع الله ; وبعد إدراك هذه الحقيقة يستطيع الإنسان أن يتعامل مع الكون وهو يعرف طبيعته كما يعرف قوانينه التي تحكمه . ومن ثم ينسق حركته هو مع حركة هذا الوجود الكبير , ولا ينحرف عن النواميس الكلية فيسعد بهذا التناسق , ويمضي مع الوجود كله إلى بارىء الوجود في طاعة واستسلام وسلام . وهذه الصفة لازمة لكل إنسان , ولكنها ألزم ما تكون للجماعة التي تقود البشرية إلى بارىء الوجود .
وقيمة الإيمان كذلك الطمأنينة النفسية , والثقة بالطريق , وعدم الحيرة أو التردد , أو الخوف أو اليأس . وهذه الصفات لازمة لكل إنسان في رحلته على هذا الكوكب ; ولكنها ألزم ما تكون للقائد الذي يرتاد الطريق ,ويقود البشرية في هذا الطريق .
وقيمة الإيمان التجرد من الهوى والغرض والصالح الشخصي وتحقيق المغانم . إذ يصبح القلب متعلقاً بهدف أبعد من ذاته ; ويحس أن ليس له من الأمر شيء , إنما هي دعوة الله , وهو فيها أجير عند الله ! وهذا الشعور ألزم ما يكون لمن توكل إليه مهمة القيادة كي لا يقنط إذا أعرض عنه القطيع الشارد أو أوذي في الدعوة ; ولا يغتر إذا ما استجابت له الجماهير , أو دانت له الرقاب . فإنما هو أجير .
ولقد آمنت العصبة الأولى من المسلمين إيماناً كاملاً أثر في نفوسهم وأخلاقهم وسلوكهم تأثيراً عجيباً . وكانت صورة الإيمان في نفس البشرية قد بهتت وغمضت حتى فقدت تأثيرها في اخلاق الناس وسلوكهم , فلما أن جاء الإسلام أنشأ صورة للإيمان حية مؤثرة فاعلة تصلح بها هذه العصبة للقيادة التي وضعت على عاتقها .
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه:"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" . عن هذا الإيمان:
"انحلت العقدة الكبرى - عقدة الشرك والكفر - فانحلت العقد كلها ; وجاهدهم الرسول جهاده الأول , فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر ونهي , وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى , فكان النصر حليفه في كل معركة ; وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة , لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى , ولا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى , ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى . . . . "
"حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم - بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم - وأنصفوا من أنفسهم إنصافهم من غيرهم , وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة , وفي اليوم رجال الغد , لا تجزعهم مصيبة , ولا تبطرهم نعمة , ولا يشغلهم فقر , ولا يطغيهم غنى , ولا تلهيهم تجارة , ولا تستخفهم قوة , ولا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا , وأصبحوا للناس القسطاس المستقيم , قوامين بالقسط شهداء لله على أنفسهم أو الوالدين والأقربين . . وطأ لهم أكناف الأرض , وأصبحوا عصمة للبشرية , ووقاية للعالم . وداعية إلى دين الله . . . "
ويقول عن تأثير الإيمان الصحيح في الأخلاق والميول:
"كان الناس عرباً وعجماً يعيشون حياة جاهلية , يسجدون فيها لكل ما خلق لأجلهم ويخضع لإرادتهم وتصرفهم , لا يثيب الطائع بجائزة , ولا يعذب العاصي بعقوبة , ولا يأمر ولا ينهى ; فكانت الديانة سطحية طافية في حياتهم , ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم , ولا تأثير لها في أخلاقهم واجتماعهم . كانوا يؤمنون بالله كصانع أتم عمله واعتزل وتنازل عن مملكته لأناس خلع عليهم خلعة الربوبية ; فأخذوا بأيديهم أزمة الأمر , وتولوا إدارة المملكة وتدبير شؤونها وتوزيع أرزاقها , إلى غير ذلك من مصالح الحكومة المنظمة . فكان إيمانهم بالله لا يزيد على معرفة تاريخية , وكان إيمانهم بالله , وإحالتهم خلق السماوات والأرض إلى الله لا يختلف عن جواب تلميذ من تلاميذ فن التاريخ , يقال له:من بنى هذا القصر العتيق ? فيسمي ملكا من الملوك الأقدمين من غير أن يخافه ويخضع له ; فكان دينهم عارياً عن الخشوع لله ودعائه , وما كانوا يعرفون عن الله ما يحببه إليهم , فكانت معرفتهم مبهمة غامضة , قاصرة مجملة , لا تبعث في نفوسهم هيبة ولا محبة . . .
. . . انتقل العرب والذين أسلموا من هذه المعرفة العليلة الغامضة الميتة إلى معرفة عميقة واضحة روحية ذاتسلطان على الروح والنفس والقلب والجوارح , ذات تأثير في الأخلاق والاجتماع , ذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها . آمنوا بالله الذي له الأسماء الحسنى والمثل الأعلى . آمنوا برب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين , الملك , القدوس , السلام , المؤمن , المهيمن , العزيز , الجبار , المتكبر , الخالق , البارىء , المصور , العزيز , الحكيم , الغفور , الودود , الرؤوف , الرحيم , له الخلق والأمر , بيده ملكوت كل شيء , يجير ولا يجار عليه . . . إلى آخر ما جاء في القرآن من وصفه . يثيب بالجنة ويعذب بالنار , ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر , يعلم الخبء في السماوات والأرض , يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . إلى آخر ما جاء في القرآن من قدرته وتصرفه وعلمه . فانقلبت نفسيتهم بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح انقلاباً عجيباً . فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهراً لبطن . تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره , وجرى منه مجرى الروح والدم , واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها , وغمر العقل والقلب بفيضانه , وجعل منه رجلا غير الرجل , وظهر منه من روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة , ومن خوارق الأفعال والأخلاق ما حير العقل والفلسفة وتاريخ الأخلاق , ولا يزال موضع حيرة ودهشة منه إلى الأبد , وعجز العلم عن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق" .
"وكان هذا الإيمان مدرسة خلقية وتربية نفسية تملي على صاحبها الفضائل الخلقية من صرامة إرادة وقوة نفس , ومحاسبتها والإنصاف منها , وكان أقوى وازع عرفه تاريخ الأخلاق وعلم النفس عن الزلات الخلقية والسقطات البشرية , حتى إذا جمحت السورة البهيمية في حين من الأحيان , وسقط الإنسان سقطة وكان ذلك حيث لا تراقبه عين , ولا تتناوله يد القانون , تحول هذا الإيمان نفساً لوامة عنيفة , ووخزاً لاذعاً للضمير , وخيالاً مروعاً , لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بذنبه أمام القانون , ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة , ويتحملها مطمئناً مرتاحاً , تفادياً من سخط الله وعقوبة الآخرة " . .
" . . . وكان هذا الإيمان حارساً لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته , يملك نفسه النزّع أمام المطامع والشهوات الجارفة , وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراه أحد , وفي سلطانه ونفوذه حيث لا يخاف أحداً . وقد وقع في تاريخ الفتح الإسلامي من قضايا العفاف عند المغنم , وأداء الأمانات إلى أهلها , والإخلاص لله , ما يعجز التاريخ البشري عن نظائره , وما ذاك إلا نتيجة رسوخ الإيمان , ومراقبة الله واستحضار علمه في كل مكان وزمان" .
"وكانوا قبل هذا الإيمان في فوضى من الأفعال والأخلاق والسلوك والأخذ والترك والسياسة والاجتماع , لا يخضعون لسلطان , ولا يقرون بنظام , ولا ينخرطون في سلك , يسيرون على الأهواء , ويركبون العمياء , ويخبطون خبط عشواء . فأصبحوا الآن في حظيرة الإيمان والعبودية لا يخرجون منها , واعترفوا لله بالملك والسلطان , والأمر والنهي , ولأنفسهم بالرعوية والعبودية والطاعة المطلقة , وأعطوا من أنفسهم المقادة , واستسلموا للحكم الإلهي استسلاما كاملاً ووضعوا أوزارهم , وتنازلوا عن أهوائهم وأنانيتهم , وأصبحوا عبيداً لا يملكون مالاً ولا نفساً ولا تصرفاً في الحياة إلا ما يرضاه الله ويسمح به , لا يحاربون ولا يصالحون


وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
إلا بإذن الله , ولا يرضون ولا يسخطون , ولا يعطون ولا يمنعون , ولا يصلون ولا يقطعون إلا بإذنه ووفق أمره" .
وهذا هو الإيمان الذي تشير إليه الآية وهي تصف الجماعة التي اختيرت لقيادة البشرية بهذه العقيدة . ومن مقضيات هذا الإيمان التوكل على الله . ولكن القرآن يفرد هذه الصفة بالذكر ويميزها:
(وعلى ربهم يتوكلون). .
وهذا التقديم والتأخير في تركيب الجملة يفيد قصر التوكل على ربهم دون سواه . والإيمان بالله الواحد يقتضي التوكل عليه دون سواه . فهذا هو التوحيد في أول صورة من صوره . إن المؤمن يؤمن بالله وصفاته , ويستيقن أنه لا أحد في هذا الوجود يفعل شيئاً إلا بمشيئته , وأنه لا شيء يقع في هذا الوجود إلا بإذنه . ومن ثم يقصر توكله عليه , ولا يتوجه في فعل ولا ترك لمن عداه .
وهذا الشعور ضروري لكل أحد , كي يقف رافع الرأس لا يحني رأسه إلا لله . مطمئن القلب لا يرجو ولا يرهب أحدا إلا الله . ثابت الجأش في الضراء ; قرير النفس في السراء , لا تستطيره نعماء ولا بأساء . . ولكن هذا الشعور أشد ضرورة للقائد , الذي يحتمل تبعة ارتياد الطريق .
(والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش). .
وطهارة القلب , ونظافة السلوك من كبائر الإثم ومن الفواحش , أثر من آثار الإيمان الصحيح . وضرورة من ضرورات القيادة الراشدة . وما يبقى قلب على صفاء الإيمان ونقاوته وهو يقدم على كبائر الذنوب والمعاصي ولا يتجنبها . وما يصلح قلب للقيادة وقد فارقه صفاء الإيمان وطمسته المعصية وذهبت بنوره .
ولقد ارتفع الإيمان بالحساسية المرهفة في قلوب العصبة المؤمنة , حتى بلغت تلك الدرجة التي أشارت إليها المقتطفات السابقة [ ص 77 ] وأهلت الجماعة الأولى لقيادة البشرية قيادة غير مسبوقة ولا ملحوقة . ولكنها كالسهم يشير إلى النجم ليهتدي به من يشاء في معترك الشهوات !
والله يعلم ضعف هذا المخلوق البشري , فيجعل الحد الذي يصلح به للقيادة , والذي ينال معه ما عند الله , هو اجتناب كبائر الإثم والفواحش . لا صغائر الإثم والذنب . وتسعه رحمته بما يقع منه من هذه الصغائر , لأنه أعلم بطاقته . وهذا فضل من الله وسماحة ورحمة بهذا الإنسان ; توجب الحياء من الله , فالسماحة تخجل والعفو يثير في القلب الكريم معنى الحياء .
(وإذا ما غضبوا هم يغفرون). .
وتأتي هذه الصفة بعد الإشارة الخفية إلى سماحة الله مع الإنسان في ذنوبه وأخطائه , فتحبب في السماحة والمغفرة بين العباد . وتجعل صفة المؤمنين أنهم إذا ما غضبوا هم يغفرون .
وتتجلى سماحة الإسلام مرة أخرى مع النفس البشرية ; فهو لا يكلف الإنسان فوق طاقته . والله يعلم أن الغضب انفعال بشري ينبع من فطرته . وهو ليس شراً كله . فالغضب لله ولدينه وللحق والعدل غضب مطلوب وفيه الخير . ومن ثم لا يحرم الغضب في ذاته ولا يجعله خطيئة . بل يعترف بوجوده في الفطرة والطبيعة , فيعفي الإنسان من الحيرة والتمزق بين فطرته وأمر دينه . ولكنه في الوقت ذاته يقوده إلى أن يغلب غضبه , وأن يغفر


وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)
ويعفو , ويحسب له هذا صفة مثلى من صفات الإيمان المحببة . هذا مع أنه عرف عن رسول الله [ ص ] أنه لم يغضب لنفسه قط , إنما كان يغضب لله , فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء . ولكن هذه درجة تلك النفس المحمدية العظيمة ; لا يكلف الله نفوس المؤمنين إياها . وإن كان يحببهم فيها . إنما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب , والعفو عند القدرة , والاستعلاء على شعور الانتقام , ما دام الأمر في حدود الدائرة الشخصية المتعلقة بالأفراد .
(والذين استجابوا لربهم). .
فأزالوا العوائق التي تقوم بينهم وبين ربهم . أزالوا هذه العوائق الكامنة في النفس دون الوصول . وما يقوم بين النفس وربها إلا عوائق من نفسها . عوائق من شهواتها ونزواتها . عوائق من وجودها هي وتشبثها بذاتها . فأما حين تخلص من هذا كله فإنها تجد الطريق إلى ربها مفتوحاً وموصولا . وحينئذ تستجيب بلا عائق . تستجيب بكلياتها . ولا تقف أمام كل تكليف بعائق من هوى يمنعها . . وهذه هي الاستجابة في عمومها . . ثم أخذ يفصل بعض هذه الاستجابة:
وأقاموا الصلاة . .
وللصلاة في هذا الدين مكانة عظمى , فهي التالية للقاعدة الأولى فيه . قاعدة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وهي صورة الاستجابة الأولى لله . وهي الصلة بين العبد وربه . وهي مظهر المساواة بين العباد في الصف الواحد ركعاً سجداً , لا يرتفع رأس على رأس , ولا تتقدم رجل على رجل !
ولعله من هذا الجانب أتبع إقامة الصلاة بصفة الشورى - قبل أن يذكر الزكاة:
(وأمرهم شورى بينهم)
والتعبير يجعل أمرهم كله شورى , ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة . وهو كما قلنا نص مكي . كان قبل قيام الدولة الإسلامية . فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين . إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها , ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد .
والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية . والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية .
ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكراً , وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشؤون الحكم فيها . إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية , وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية . وهي من ألزم صفات القيادة .
أما الشكل الذي تتم به الشورى فليس مصبوباً في قالب حديدي ; فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان , لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية . والنظم الإسلامية كلها ليست أشكالاً جامدة , وليست نصوصاً حرفية , إنما هي قبل كل شيء روح ينشأ عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب , وتكيف الشعور والسلوك بهذه الحقيقة . والبحث في أشكال الأنظمة الإسلامية دون الاهتمام بحقيقة الإيمان الكامنة وراءها لا يؤدي إلى شيء . . وليس هذا كلاماً عائماً غير مضبوط كما قد يبدو لأول وهلة لمن لا يعرف حقيقة الإيمان بالعقيدة الإسلامية . فهذه العقيدة - في أصولها الاعتقادية البحتة , وقبل أي التفات إلى الأنظمة فيها - تحوي حقائق نفسية وعقلية هي في ذاتها شيء له وجود وفاعلية وأثر في الكيان البشري , يهيىء لإفراز أشكال معينة من النظم وأوضاع معينة في الحياة البشرية ; ثم تجيء النصوص بعد ذلك مشيرة إلى هذه الأشكال والأوضاع , لمجرد تنظيمها لا لخلقها


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alshmari.yoo7.com
 
سورة الشوري 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الشورى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع نعمان الشماري :: التنميه البشريه-
انتقل الى: