حمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومَن اتَّبع هداه.
(وبعد)
فمنذ كنتُ طالبا في الأزهر الشريف، وأنا أرى الناس يختلفون في أمر ختان البنات: علماء الشرع يختلفون، وعلماء الطب يختلفون. ولا زلتُ أذكر كلمات الدكتور حامد الغوابي، وقد كان من أشدِّ الأطباء حماسا لختان البنات، وكان يجادل المخالفين ويقاومهم بقوة، ويجلب بخيله ورجِله، ويجمع من الأدلَّة والقرائن والمؤيِّدات الدينية والطبية والاجتماعية، ما يؤيِّد رأيه، ويؤكِّد حجَّته.
على حين يخالفه أطباء آخرون كثيرون، يردُّون عليه، ويفنِّدون أدلَّته.
وعلماء الفقه لم يحسموا الأمر في ذلك الزمان، لأن المذاهب مختلفة في حكم الختان - ويسمُّونه بالنسبة للإناث: الخفاض - ما بين مَن يوجبه ومَن يستحبه، ومَن يقول: إنه مجرَّد مَكرُمة للمرأة.
والذي جعلهم يبْقون على اختلافهم: شيوع التقليد للمذاهب، وتقديس ما جاء في كتب القدماء، وتهيُّب مخالفتهم، واعتقادهم: أن في الموضوع أحاديث صحيحة أو حسنة يجب العمل بها، ولا يجوز إغفالها. ولا سيما مع عدم المعرفة بعلوم الحديث ورجاله وتخريجه.
ولا يزال الأمر إلى اليوم، لم يحسم تماما، وخصوصا في مصر، فإن كثيرا من أقطار العروبة والإسلام، لم تثُر فيها هذه القضية على الإطلاق، لأن نساءها توارثن من قرون عدم الختان.
واليوم تعقد (دار الإفتاء) المصرية بالاشتراك مع الاتحاد العالمي في ألمانيا لمكافحة تشويه الجهاز التناسلي للمرأة: (مؤتمر العلماء العالمي نحو حظر انتهاك جسد المرأة)[1] في القاهرة، تحت رعاية فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، بُغية إظهار الموقف الإسلامي الصحيح من حماية الإنسان، وتحريم العدوان عليه، في نفسه أو جسده أو عقله، أو كرامته وعِرضه، أو غير ذلك من حرماته، وخصوصا المرأة، التي اتَّهم كثير من الغربيين الإسلام بانتقاص حقوقها، مع أن الإسلام كرَّمها إنسانا، وكرَّمها أنثى، وكرَّمها بنتا، وكرَّمها زوجة، وكرَّمها أما، وكرَّمها عضوا في المجتمع.
وأرجو أن ينتهي هذا المؤتمر إلى قرار حاسم حول هذا الموضوع الذي يهمُّ نصف المجتمعات الإسلامية، إذ قالوا: إن المرأة نصف المجتمع. وربما كانت في بعض البلدان أزيد من النصف. هل يكون القرار بالمنع الكلي، أو بالمنع الجزئي، أو بتشديد القيود والشروط في الإجازة؟
هذا هو ما يبحث فيه المؤتمر، الذي نسأل الله له التوفيق والسداد في اجتهاده الترجيحي.
والحمد لله رب العالمين.